مست حادثة السير التي أودت بحياة تسعة شباب يافعين من أبناء قرية عقربا في محافظة نابلس، مشاعر وأحاسيس الناس، وفي نفس الوقت، شرعت الباب لأسئلة عديدة حول ما وصلت إليه الأوضاع في بلادنا بشكل عام، وبالأخص الأوضاع الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية والتربوية وامتداداتها السياسية وما إلى ذلك، والتي آلت إلى أن تقوم مجموعة من الفتية الطلبة باستغلال العطلة المدرسية من أجل العمل في المستوطنات في منطقة الأغوار الفلسطينية، والتي هي في مجملها مستوطنات زراعية، تستغل الأراضي والمياه والظروف البيئية في الأغوار من أجل زراعة منتجات زراعية عالية الجودة وعلى مدار العام وتصديرها إلى دول العالم المختلفة كمنتجات للمستوطنات.
وبعيدا عن الأسباب الاقتصادية والاجتماعية وغيرها والتي تجبر الأشخاص في عمر الأطفال للعمل وبالتالي المساهمة في إعالة انفسهم وعائلاتهم، فإن تكرار حوادث السير، سواء مثل ما حدث في الأغوار أو في مناطق فلسطينية أخرى، يستدعي الانتباه إلى هذه الظاهرة المؤلمة والمؤرقة والمكلفة على الصعيد البشري، سواء من حيث تطبيق القوانين أو سلامة وصلاحية الشوارع أو تهور السائق أو صلاحية المركبة. ونحن نعرف أو نرى أن هناك الكثير من المركبات التي تسير على الشوارع مركبات غير مرخصة أو غير صالحة أو مسروقة وما إلى ذلك، وفي هذه الأحوال فبالإضافة إلى الخطورة على السائق، فإن ذلك يعرض حياة الآخرين الأبرياء إلى الخطر وربما إلى الموت.
ولهذه الأسباب، فإنه لا يكاد يمر يوم أو بضعة أيام، إلا ونسمع عن أو نشاهد صورا ومآسي حوادث السير المروعة والمأساوية، ورغم الألم الذي يرافق ذلك، ورغم الحزن الذي يلف أفراد العائلات والناس بشكل عام، من المفترض أن يكون ذلك درسا وعبرة، من اجل إعادة دراسة قوانين السير، وإجراءات كيفية الحصول على رخصة السياقة، وكيفية ترخيص المركبات من حيث الأمان والسلامة، وكذلك مراجعة شاملة لأداء الجهات المختصة في السير والسياقة، من أفراد الشرطة ومن وزارة المواصلات ومجلس المرور ومن له علاقة بذلك.
فما زلنا نشاهد وبشكل يومي كذلك، الزعرنة أو الفهلوة في السياقة وبأنواعها، وخاصة السياقة أو التجاوز خلال الإشارة الحمراء، وكأنها أصبحت شطارة أو هواية، وحسب الإحصاءات فإن عشرات المواطنين الفلسطينيين يلقون حتفهم بسبب حوادث السير، هذا بالإضافة إلى المئات من الجرحى، وبعض هؤلاء الجرحى من يبقى معاقا بقية حياته، ومن المعروف بديهيا أن حوادث السير تحدث، إما بسبب السائق أو بسبب المركبة أو بسبب الشارع أو المشاة، أو هذه العوامل معا أو مجتمعة.
وإذا كان عدم الالتزام بقوانين أو آداب أو سلامة السير قد أصبح من المسلمات أو الأمور الواضحة في بلادنا، سواء من قبل أصحاب المركبات العمومية وبأنواعها أو حتى من قبل بعض المركبات الخاصة، وبالأخص في الطرقات السريعة، تلك التي تربط المدن بالمدن أو القرى بالمدن، فالسؤال الذي يطرحه المواطن والذي نسمعه باستمرار هو: أين هي الجهات التي من المفترض أن تراقب تطبيق قوانين السير، أي أين هي الشرطة، وبالأخص شرطة السير، وبالأخص في نقاط أو تجمعات أو مفترقات تزداد فيها احتمالات الحوادث.
وأين هي الإجراءات التي يتم اتخاذها لمنع وقوع الحادث التالي، وإذا كان التجاوز أو السرعة الزائدة هي من الأسباب الأساسية لوقوع الحوادث في بلادنا، فهل تم اتخاذ الإجراءات التي تردع ذلك، وهل تم تسخير جزء من طاقات الشرطة لتطبيق ذلك، ولماذا لا يتم البدء باتخاذ الإجراءات أو مراجعة الأوضاع إلا حين وقوع الحادث، والسؤال الآخر هو هل القوانين الموجودة هي بالفعل رادعة، وهل هناك خشية عند المخالفين من تطبيقها عليهم، وهل المخالفات والغرامات وحتى سحب رخص السياقة أو حتى إيداع المخالف السجن يمكن تجاوزها من خلال الواسطة والمحسوبية والثقافة السائدة في المجتمع.
وفي ظل الحزن والغضب الذي يصاحب حوادث السير، فإنه يجب تذكر أن الأمر الخطير الآخر فيما يتعلق بالسياقة أو التهور أو عدم المبالاة من قبل السائقين، هو عدم الالتزام بالإشارات الضوئية، فهذا يؤدي إلى تشجيع الآخرين وتدريجيا على عدم الالتزام بالإشارات والذي بدوره سوف يؤدي آجلا أو عاجلا إلى وقوع حوادث وربما كوارث.
وحوادث السير، وان حدثت في مناطق أخرى في العالم، فإنها لا تمر بشكل سريع أو عابر، ولكن تتشكل اللجان ويتم فحص الأمر من كل الجوانب، والاهم يتم اتخاذ الإجراءات لكي لا يتكرر الحادث، أو حوادث أخرى في ظروف مشابهة، وهذا يدعونا إلى أن نطالب بـأن تتنبه الجهات المعنية إلى القيام بالدور المطلوب لتطبيق الالتزام بالإشارات الضوئية مثلا، ومن ثم ضبط المخالفين وإيقاع العقوبات، ومن ثم فحص النتائج، أليس هذا الأمر بالبسيط وغير المعقد وغير المكلف، قبل أن تستشري ثقافة عدم الالتزام بالإشارات الضوئية وبالتالي تتلاشى الألوان الموجودة عليها، وحتى تتداعى ثقافة عدم الالتزام بكل قوانين السير الموجودة، وبالتالي يستمر تزايد أعداد القتلى والجرحى والمعاقين والمآسي والحزن، من حوادث السير يوما بعد يوم.