في خضم لقاءات الجولة الحالية الثامنة من المفاوضات النووية في فيينا، تعكس التحركات الدبلوماسية التي تسير جنباً إلى جنب مع تلك اللقاءات، والتي تشكل روسيا محورها، تطوراً إيجابياً محتملاً من حيث نتائجها. هناك أيضاً عدد من المؤشرات التي تشير إلى حدوث مثل ذلك الاختراق الإيجابي في إطار الملف التفاوضي النووي بين الولايات المتحدة وإيران، والتي ترجح كفة الاتفاق على كفة الحرب.
أثناء اللقاءات المكثفة الثنائية والمتعددة في فيينا والتي تدور الآن، على مستوى رؤساء الوفود والخبراء، يقوم انريكي مورا الوسيط الأوروبي في تلك المفاوضات بزيارة إلى روسيا قبل يوم واحد فقط من زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى موسكو، في ظل تأكيد ميخائيل أوليانوف المندوب الروسي في ذات الوقت مداولاته مع  روبرت مالي كبير المفاوضين الأميركيين حول القضايا العالقة، الأمر الذي يعكس دور روسيا الذي بات يظهر كوسيط ومسهل في تلك المفاوضات. وأصبح الحديث متداولاً اليوم عن مسودات جاهزة للاتفاق  وملحقاته، وعن حلول ممكنة ومقبولة لمعظم القضايا العالقة بين الولايات المتحدة وإيران، والتي تتعلق بأي من الطرفين سيبدأ أولاً بتنفيذ التزاماته، والمتعلقة برفع العقوبات عن إيران، مقابل تحديد مصير أجهزة الطرد المركزي واحتياطات إيران من الوقود النووي، التي جرى تطويرها بشكل كبير في الأشهر القليلة الماضية، هذا بالإضافة إلى مطالبات إيران بضمانات من واشنطن حول تقييد إمكانية الانسحاب من الاتفاق، كما حدث سابقاً في عهد إدارة دونالد ترامب عام ٢٠١٨.  
اليوم، وفي إطار المفاوضات القائمة في فيينا، هناك حديث عن وجود مسودة جاهزة للاتفاق النووي، وثلاثة ملاحق يتعلق الأول برفع العقوبات عن إيران، ويتمحور الثاني حول التعهدات النووية الإيرانية، ويركز الثالث على الإجراءات التمهيدية لبدء تنفيذ التعهدات. وبات الحديث عن إمكانية تنفيذ الاتفاق بشكل مرحلي متسلسل، ورفع واشنطن لجميع العقوبات التي نص عليها الاتفاق النووي لعام ٢٠١٥، وتفهم إيراني بخصوص مصير أجهزة الطرد المركزي المتطورة واحتياطيات اليورانيوم عالي التخصيب، وتقديم واشنطن ضمانات سياسية لإيران، من خلال وزارة الخزانة الأميركية والأمم المتحدة، لتقييد انسحابها من أي اتفاق مستقبلي. وبغض النظر عن تفاصيل تلك التفاهمات، يبدو أن هناك نية حقيقية لجسر الخلافات في إطار المفاوضات النووية، عكسها عدد من المؤشرات خلال الأيام القليلة الماضية، بالإضافة إلى وجود أسباب جوهرية تفسر حدوث ذلك الاختراق، وتتنبأ بإمكانية الوصول إلى اتفاق نووي إيراني أميركي قريب.    
وقد يكون من أهم المؤشرات على إمكانية الوصول لاتفاق نووي تغير نبرة الخطاب الإسرائيلي تجاه ذلك، قبعد أن كان يهدد بعدم قبوله، أكد نفتالي بينيت رئيس وزراء إسرائيل مؤخراً على عدم نية بلاده معارضة الاتفاق، وانها سترحب به إن كان اتفاقاً جيداً. كما تأتي هذه الجولة من المفاوضات النووية في فيينا في إطار تطور في ملف المصالحة الخليجية الإيرانية، خصوصاً بين إيران وكل من المملكة العربية السعودية ودولة الامارات، واللتين تعتبران الأكثر تشدداً ومعاداة لإيران، من بين دول الخليج العربي الأخرى. ازدادت وتيرة الزيارات المتبادلة بين الإمارات وإيران في الآونة الأخيرة، وبدأ الحديث أكثر عن العلاقات الثنائية الودية بين البلدين، وتحذيرات أبو ظبي من الثمن الذي ستدفعه المنطقة في حال حدوث أي مواجهة عسكرية فيها. يأتي ذلك إلى جانب اللقاءات السعودية الإيرانية، والتي جاءت بوساطة عراقية خلال العام الماضي، وتصريح ولي العهد السعودي مؤخراً بأن بلاده تطمح لعلاقات جيدة مع إيران. يأتي ذلك بالإضافة إلى علاقات تجارية واقتصادية تربط الامارات بايران، والتي تعد الأكثر كثافة مقارنة بدول الخليج الأخرى، بالإضافة إلى العلاقات الطبيعية التي ترتبط إيران مع قطر وعمان الكويت. ولا تعارض دول الخليج اليوم الوصول إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران، كما كان الأمر في عهد إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما عندما تم توقيع الاتفاق النووي عام ٢٠١٥، لكنها ترغب أن تكون جزءاً منه.
قد يكون من أهم الأسباب المفسرة لإمكانية التوصل لاتفاق نووي بين الولايات المتحدة وإيران اليوم هو سياسة أميركا المعلنة بالانسحاب من المنطقة، تلك السياسة التي أعلنت عنها إدارة الرئيس باراك أوباما، ووقعت الاتفاق النووي مع إيران في إطارها، رغم اعتراض دول الخليج الحليفة للولايات المتحدة في حينه. وجاءت سياسة إدارة ترامب ضمن ذات التوجه، رغم انسحابها من الاتفاق النووي مع إيران، إلا أن إدارته لم تدافع عن الإمارات والسعودية، عندما تم استهداف منشآت حيوية لهما عام ٢٠١٩. وفي عهد إدارة بايدن الحالية، انسحبت اميركا فعلياً من أفغانستان، وقلصت وجودها في العراق، وأبدت اهتماماً واضحاً بتوقيع اتفاق نووي مع إيران، وشجعت مصالحة خليجية إيرانية. إن كل هذه التطورات بلورت رؤية لدى دول الخليج بعدم نية الولايات المتحدة خوض حرب مع إيران، وإن أي حرب ستشن في المنطقة، ستجد تلك الدول نفسها وحيدة فيها، في ظل احتمال دفع تلك الدول الثمن الأكبر في إطارها، بحكم الجوار. كما أدى انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة مع إيران عام ٢٠١٨، إلى تطور غير مسبوق في ملف إيران النووي، في ظل تبلور الرؤية الإيرانية فيما يتعلق ببرنامجها النووي وعدم نيتها التنازل أو التراجع عنه، على أساس انه لا يشكل فقط قوة ردع لها في المنطقة، وإنما يعكس قوتها ومكانتها فيها. وتبلورت القناعة تدريجياً أدى الولايات المتحدة بترجيح الطرق السياسية والدبلوماسية على الحرب كأفضل طريق لتعطيل أو تأخير تطور ذلك الملف وتلك القدرات، خصوصاً في ظل التطورات التي لحقت بذلك الملف خلال الأشهر القليلة الماضية، والتي لن تنجح الحرب في وأدها بشكل كلي.
 وتصاعد الحديث مؤخراً حول عدم ضمان نتائج الحرب التي يمكن أن تشن ضد إيران لتقويض قدرتها النووية، وذلك بسبب كثرة عدد المنشآت النووية التي تحتوي على أجهزة الطرد المركزي المتطورة واحتياطيات اليورانيوم عالي التخصيب، وعدم معرفة مواقع جميع تلك المنشآت، ناهيك عن آليات تحصينها المبالغ فيها، بما يؤكد عدم إمكانية شن حرب حاسمة بشأن إنهاء هذا الملف. يأتي ذلك بالإضافة إلى توقع ردة فعل إيران على أي عمل عسكري متوقع ضدها سواء من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة، اذ لم تخف إيران نيتها الرد على أي هجوم إسرائيلي تم الإعلان عنه مسبقاً بشكل مباشر من قبلها، ناهيك عن قدراتها باستخدام حلفائها أيضاً في خضم ذلك الرد، كما أن إيران تمتلك قدرات عسكرية واستخبارية مجربة تمكنها من تشكيل تهديد للسلامة الإقليمية لدول المنطقة والمواقع الأميركية فيها، في أوقات لم تصل لحالة حرب معلنة، فما بالكم في حالة حرب تشن ضدها. ولا يمكن إغفال الدعم الصيني والروسي لإيران في إطار تلك المفاوضات النووية، الأمر الذي يعطي قوة ودعماً لمركز إيران فيها.
جاء تشدد الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل مع إيران في إطار ملفها النووي على الرغم من أن إيران تؤكد على سلمية برنامجها النووي، وحدود التطور الذي راكمته حتى الآن لا يؤكد عسكرة هذا البرنامج كما تدعي إسرائيل، كما أن إيران وقعت على معاهدة حظر الانتشار النووي عام ١٩٦٩، والتي لا تحظر تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية، ولم تنسحب منها، رغم الضغوط التي تمارس عليها في إطار ملفها النووي. على الجانب الآخر نلاحظ أن إيران محاطة بقوى مجاورة نووية، هي الهند وباكستان، وبعدو نووي معلن هي إسرائيل. كما أن الولايات المتحدة وإسرائيل التي تستهدف ملف إيران النووي وتتشدد في إطاره، هي قوى نووية غير موقعة على اتفاقية حظر الانتشار النووي مثل إيران، اذ قدمت الولايات المتحدة مساعدات للهند وباكستان في إطار ملفيهما النوويين، وليس هناك أي مساءلة لبرنامج إسرائيل النووي، رغم أنها القوة الدخيلة الوحيدة في المنطقة، والمهددة لسلم وأمن المنطقة، باعتبارها قوة محتلة للأراضي الفلسطينية، ولأراضٍ سورية ولبنانية أيضاً.