سواء اختلفت معهم، أو اتفقت، يكون أبو مازن وأبو الأديب، هما آخر العاملين المتفرغين من بين صفوف حركة فتح وقيادات منظمة التحرير، الذين صنعوا لشعبهم مكانة ودوراً، وأحيوا قضية فلسطين، من قضية لاجئين غلابى في المخيمات يحتاجون وفق القرار الدولي 302 الذي صنعته أميركا، بديلاً لقراري الأمم المتحدة 181 و194، وما يتطلبه من إغاثة وتشغيل، وفتحت أبواب بلدان الخليج العربي لهم للعمل وتحسين ظروف حياتهم، فعمل الرئيس محمود عباس موظفاً لدى حكومة قطر، وسليم الزعنون في القضاء الكويتي.
كلاهما، كما العديد من قيادات حركة فتح الأولى، ومن المؤسسين، تحولوا من موظفين، إلى مناضلين وقادة لشعبهم عبر النضال على طريق الحرية والاستقلال.
أبو مازن، وأبو الأديب، هما آخر رفاق ياسر عرفات الذين واصلوا العمل من بعده، وها هو سليم الزعنون بمبادرة من جانبه لأسباب صحية، يتقدم باستقالته من رئاسة المجلس الوطني الفلسطيني، المؤسسة التي تشكلت في القدس، على يد أحمد الشقيري عام 1964، وعقدت مجلسها الأول التأسيسي في شهر أيار، برعاية الأردن، والراحل الملك حسين شخصياً، مما يعني أن الأردن والأردنيين يؤكدوا أنهم كانوا شركاء مع الفلسطينيين في الخندق الواحد ولازالوا، في مواجهة المستعمرة، من أجل تحرير فلسطين.
حينما طلب سليم الزعنون من الملك حسين استمرارية بقاء مقر المجلس الوطني الفلسطيني، في عمان، كضيوف مؤقتين حتى تتم عودة المجلس إلى القدس عاصمة فلسطين، رد عليه الملك حسين بقوله «أنت ضيف ومعك سيف» دلالة على التمتع بالقوة والرحابة وشجاعة الاختيار.
سليم الزعنون لا تسمح صحته باستمرارية تولي مهامه، فبادر، بكل ما يحمل من أمانة المسؤولية، في تقديم استقالته، وهو بذلك يُسجل له تاريخه النظيف، بكل معايير التقدير من شعبه، وأن يستحق التكريم بما يليق به من حكمة وسعة دراية ووفاء لقضيته، الذي أفنى عمره وتفرغ لها، قائداً، من خبرته كقانوني وقاض وابن غزة التي انجبت شعبها قيادات، أعادت الهوية والكرامة لكل الفلسطينيين بتضحياتها، وأفعالها، أجبرت المستعمرة مرتين على التسليم بالحقوق الفلسطينية:
الأولى حينما أجبرت الانتفاضة الأولى اسحق رابين على الاعتراف لأول مرة بالشعب الفلسطيني، وبمنظمة التحرير، وبالحقوق السياسية المشروعة للفلسطينيين، والتوصل إلى الاتفاق التدريجي متعدد المراحل عام 1993، وعليه جرى الانسحاب الإسرائيلي من غزة وأريحا أولاً.
والثانية حينما أرغمت الانتفاضة الثانية شارون على الرحيل من قطاع غزة بعد فكفكة المستوطنات وإزالة قواعد جيش الاحتلال، بما يدلل على القدرة الكامنة لدى الفلسطينيين، على إجبار عدوهم على التراجع والإنحسار والرحيل.
سيبقى سليم الزعنون، عنواناً لتراث شعبه الكفاحي طوال الخمسين سنة الماضية من عمر النضال، إلى ما وصل إليه، بقيادة أبو عمار في نقل الموضوع الفلسطيني وعنوانه من المنفى إلى الوطن، لتبدأ مرحلة أخرى متعثرة تحتاج لقيادات أخرى بديلة تنمو من رحم شعبها من الداخل، على الطريق الطويل، طريق الحرية والاستقلال.