لأن إسرائيل قامت وأعلنت في ظل الحرب الباردة، وبدعم كامل وعلى كل المستويات من قبل طرف من طرفي الحرب الباردة، فإن كل ما رافق إقامتها من مجازر ارتكبتها العصابات الصهيونية التي أسست الدولة الغاصبة، من مجازر بحق القرويين والمدنيين الفلسطينيين العزل، بهدف التطهير العرقي، عام 1948، تم غض البصر عنه، ثم كل ما شنته من حروب لاحقة، ما بين أعوام 1956_ 2021، مروراً بحروب الأعوام 1967، 1982، 2008، 2012، 2014، وما حققته من احتلال لأراضي الغير، ومن جرائم حرب، لم تُسأل عنه حتى اللحظة، وذلك لأنها كانت تعد ضمن طرف من طرفي الحرب الباردة، فيما كان كفاح الشعب الفلسطيني من أجل حريته وحقوقه الوطنية، كذلك دفاع دول الجوار العربي عند حدودها ومصالحها الوطنية والقومية كان يُحسب على الطرف الآخر، لذا خضعت معادلة الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي، والعربي/الإسرائيلي الى معايير السياسة الدولية، ولم تخضع لمعايير العدالة الدولية.
خلال الحرب الباردة، أي منذ ما بعد العام 1945، حتى مطلع تسعينيات القرن الماضي، أُنشئت دولة إسرائيل، وتوسعت حدودها بفعل ما شنته من حروب متوالية على جيرانها العرب، وليس على الفلسطينيين وحسب، وكان من نتيجتها أن احتلت كل أرض دولة فلسطين المعرّفة وفق قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة عام 1947، وسيناء المصرية والجولان السوري، حيث ما زالت تحتفظ حتى اللحظة، بالقدس والضفة الفلسطينية والجولان، وانسحبت فقط من سيناء مقابل الاتفاق مع مصر، ومن غزة التي ما زالت تحاصرها بحراً وجواً، من جانب واحد.
وإذا كان كل الاهتمام منصباً على احتلال إسرائيل لأرض الغير، وعلى كونها ما زالت دولة احتلال استعمارية رغم انقضاء عهد الاستعمار بشكليه القديم والجديد، فإن قليلاً من الاهتمام انشغل بكون إسرائيل دولة تمييز عنصري، ليس على الصعيد النظري، حيث أن حكومتها تطالب باعتبارها «دولة يهودية»، وليس في الحقل السياسي فقط، حيث ما زالت الحكومات الإسرائيلية تغلق أبواب مؤسساتها الأمنية أمام الفلسطينيين العرب، وتغلقها أيضاً أمام النواب من الأقلية الفلسطينية المواطنة، حتى لو كانوا من  نوعية عباس منصور، الذي رغم تجرده من فلسطينيته، إلا أنه لم يحظ بنصف وزارة في حكومة «الكوكتيل السياسي» الحالية.
يطول الحديث عن الشواهد العنصرية لدولة إسرائيل تجاه الأقلية الفلسطينية المواطنة، والتي تتجمع في كل من المثلث والجليل والنقب، فيما تختلط مع اليهود فيما يسمى بمدن الاختلاط، أي حيفا ويافا وعكا واللد والرملة، لكن ما حدث خلال الأشهر الأخيرة من ظهور فاضح للممارسة العنصرية الإسرائيلية بعد اكثر من سبعين عاماً على إقامة الدولة  كترتيب في لعبة  الصراع الكوني إبان الحرب الباردة.  
فأن يظهر المتطرفون اليهود المستوطنون في الرملة خلال شهر أيار الماضي، والحديث لا يجري عن مستوطني إطار القدس أو الضفة الغربية، ليحرقوا مركبات المواطنين، وليعتدوا على أبناء المدينة على أساس الهوية، هو فعل عنصري بكل معنى الكلمة، أما ما يحدث اليوم من صخب في النقب فهو ذروة فاضحة تكشف بأن هناك قنبلة موقوتة، لم يكن اندماج منصور عباس بجوقة التطرف اليميني، إلا محاولة لإخفاء عين الشمس بالغربال.
وفي النقب يعيش نصف سكانه وهم من الأقلية الفلسطينية من مواطني الدولة الإسرائيلية في ظل ظروف غير آدمية، حيث لم تكتف الإجراءات العنصرية الصهيونية بحشرهم في نحو 2% من مساحة النقب، بل إنها لم تعترف بـ 36 قرية من أصل 46، بما يعني حرمانها من الخدمات العامة ومن التطور ومن توفير الحد الأدنى من ظروف المعيشة، وهذا كله بدافع عنصري واضح، وهو تطهير النقب عرقياً من نصف سكانه فقط لأنهم ينتمون للأقلية العرقية العربية الفلسطينية.
ولأنه لكل شيء آخر، ولأن حبل الكذب قصير، فإن ما كان العالم غافلاً عنه، يجيء اليوم الذي ينتبه فيه إليه، وقد مرت على انتهاء الحرب الباردة ثلاثة عقود كاملة، كانت كافية بتغيير المواقف والرؤى السياسية، فبعد أن كانت أوروبا في الجيب الأميركي، بحجة حمايتها من الغزو السوفياتي، وبمجرد انتهاء الحرب الباردة تطورت فكرة الاتحاد الأوروبي، ولم تعد أوروبا المؤيد التلقائي للمواقف الدولية الأميركية، وظهر هذا تجاه ملف الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي، حيث إضافة لهذا العامل، وازنت أوروبا موقفها بفعل التظاهرات الشعبية المؤيدة للحق الفلسطيني في الوطن والدولة، والمنددة بالمجازر وجرائم الحرب الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، والتي ترتكب يومياً على طول وعرض الدولة الفلسطينية المحتلة.
وخلال العقود الثلاثة الماضية، صدرت عن مؤسسات الأمم المتحدة، أي الجمعية العامة ومجلس الأمن، إضافة لمؤسساتها الحقوقية والإنسانية المختلفة عشرات القرارات المنددة بالاحتلال الإسرائيلي وممارساته القمعية والإرهابية ومستوطنيه بحق الشعب والأرض الفلسطينية، وكانت دول أوروبا بمعظمها تؤيد تلك القرارات، وفقط واصلت الولايات المتحدة وقوفها الى جانب دولة الاحتلال والعنصرية الإسرائيلية.
حتى وصلت ذروة الانحياز الأميركي قبل أعوام قليلة في عهد الجمهوري اليميني المتطرف دونالد ترامب، وطاقم بيته الأبيض، الذي شد على يد كل ما هو مناقض للقانون الدولي، بما في ذلك الاستيطان وكل الأفعال الإجرامية التي يقوم بها المستوطنون وجنود الاحتلال، بما في ذلك القتل بدم بارد بحق الشبان والفتيات الفلسطينيين.
لكن وكما بدأ الأفراد في أوروبا قبل عقود، ومن ثم الجماعات يتزايدون في إعلان رفضهم لاستمرار التغطية والشد على يد الاحتلال والعنصرية الإسرائيلية الممارسة ضد الفلسطينيين على جانبي الحدود، فإن مستوى الاحتجاج على الانحياز الأميركي من جهة، ومستوى معارضة السياسات الاحتلالية والعنصرية الإسرائيلية من قبل أفراد وجماعات أميركيين بدأ يتزايد، حتى وصل لأعضاء كونغرس، وبات واضحاً بأن الموقف الأميركي ينتقل من كونه منحازاً بشكل متطرف لصالح العنصرية الإسرائيلية، الى كونه أكثر اعتدالاً، وإنه على طريق التحول، لن يمر كثير من الوقت حتى يصبح متقارباً مع الموقف الأوروبي.
لكن التحول، وإن كان يتأثر بالبعد الدولي، إلا أن تقصير مدة الوصول اليه مرهون بالكفاح المدني الفلسطيني، إن كان على أرض دولة فلسطين، ضد الاحتلال، أو داخل إسرائيل ضد عنصريتها.