ما تزال منظمة التحرير محتفظة بشعارها الذي ولد معها وهو ثلاثي المعاني والدلالات.
وحدة وطنية.. تعبئة قومية.. تحرير.
ولقد تأسست المنظمة وشعارها حين كانت الضفة الغربية وغزة متحررة من الاحتلال، وكان المنطلق آنذاك القدس.
بعد رحلة شاقة وطويلة تكرست منظمة التحرير كقيادة لا تنازع للكفاح الوطني الفلسطيني السياسي والمسلح، وأضحت ذات مكانة راسخة في حياة الفلسطينيين، لدرجة ان سميت بالوطن المعنوي المؤدي الى الوطن الحقيقي، أي الدولة الفلسطينية المستقلة على جميع الأراضي التي احتلت في العام 1967.
وفي مجال الشعار ما تزال القوى السياسية الفلسطينية المسماة بالفصائل كبيرها وصغيرها تجمع على مكانتها، وان اختلفت على شروط الانضمام اليها، الا ان منظمة التحرير من حيث المهام تغيرت جذريا فهي من قام بالاعتراف الثمين بإسرائيل قبل ان تطأ اقدامها مترا واحدا من الأراضي المفترض ان تقيم دولتها عليها، واذا ما دققنا في الواقع العملي للمنظمة ودورها كجسم تمثيلي قيادي فإننا نراها قد احتجبت وراء السلطة، ولم يعد لها من دور سوى دعوتها حسب الطلب لصيانة شرعيتها وشرعية المستظلين بها.
اما السلطة التي قالت شعاراتها الأولى والتي ما تزال مرفوعة انها الممر المؤقت المؤدي الى الدولة، وحدد لهذا الممر في الاتفاقات الورقية خمس سنوات، الا انها الان ظلت باقية ليس وفق شعاراتها وأدبياتها الأولى، وانما ككيان متنازع عليه وتحت عنوانه جرى تبدل جوهري في المهام، فهي تجاهد بصعوبة للاحتفاظ بما أسست من اجله ولم يعد لها من وظيفة تؤديها ابعد من رعاية جزئية دائمة التعثر لمصالح اهل الضفة ورعاية متعثرة أكثر لمصالح اهل غزة. اما الطريق الذي فتح لتجسيد مقولة انها مقدمة للدولة المستقلة فقد اغلق تماما صحيح انه يجري حديث عنه ولكن من يصدق.
اما الفصائل التي رغم كل المتغيرات التي حدثت فيها ومن حولها فلن تغير حرفا واحدا من مسمياتها وشعاراتها غير انها في واقع الامر اندمجت موضوعيا في ما يعاكس الشعار.
الفصائل التي كانت زمن ازدهار منظمة التحرير تتسابق على تقديم كل ما من شأنه الحفاظ عليها ومنع الانشقاقات من ان تصيب جسمها وتنهي دورها، هي الان ملتحقة موضوعيا بالانقسام الرئيس الذي عنوانه العام والمتداول فتح وحماس، او غزة ورام الله،
شعار الفصائل الذي لا يغادر البيانات واليافطات والمؤتمرات هو الوحدة الوطنية ووحدة منظمة التحرير كاطار جبهوي جامع، اما الواقع فيقول عكس ذلك تماما، وانظروا الى حال آخر مجلس وطني عقد في رام الله ، وانظروا الى المجلس المركزي الذي ان انعقد هذه الأيام فلن يكون رسالة وحدوية وانظروا الى حال المنظمة في الشتات حيث الشعار ما زال مرفوعا باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد يقابله في الواقع تمزقات وتمحورات تجسد ابتعادا كاملا عن الوحدة بالصورة التي كانت عليها زمن الثورة والمنفى.
ومع ان هذا التحليل يبدو جارحا للنفوس والضمائر وحتى ابسط المسلمات الوطنية، الا انه يجسد الحقيقة المجردة دون وجود أي منطق لنفيها ويعزز هذا أن أحدا من اللاعبين في فرق الطبقة السياسية على مختلف مسمياتها ليس لديه من اجتهاد جدي مقنع للمعالجة ذلك ان فاقد الشيء لا يعطيه.
الانفصام الظاهر بين الشعارات القديمة التي ما تزال متداولة كتراث أثري، وبين الواقع الجديد الذي تناقض فيه الشعارات حسابات المصالح، هذا الانفصام افرز احباطا شاملا في المجتمع الفلسطيني كما أدى الى تقلص الرهانات والمطالبات، وهذا الواقع يجد كثيرين يستثمرون فيه وفق اجنداتهم ومصالحهم الخاصة، ولكنه لم يجد بعد من يستثمر جديا في اجتراح حلول له.