سأدخل في الموضوع مباشرة دون مقدمات، أصبح من الواضح أمام الجميع أن المجتمع الفلسطيني يعاني من تصدعات مجتمعية في كل مكوناته؛ فرضتها بطبيعة الحال تركيبته "الجيوسياسية" المتمثلة بالتقسيم الذي نفذه الاحتلال الإسرائيلي والخاضع لثلاث سلطات على أرض الواقع: السلطة الوطنية الفلسطينية، سلطة حماس، حكومة إسرائيل الاحتلالية التي تتحكم في الجميع.
 هناك شعور على نطاق واسع بين المواطنين بتدهور الحراك السياسي على الصعيد الداخلي والخارجي وانعكاسات ذلك على مواجهة الأحتلال، وتدهور اقتصادي ملموس لدى الجميع، ما خلق تزايد الإحساس بالظلم والإجحاف، والافتقار إلى العدالة الاجتماعية، وكذلك تدهور ثقافي في جميع جوانب الحياة، وانعكس ذلك على طبيعة تعاملنا مع بعضنا البعض كأفراد من جهة ومع أي قضية عامة من جهة أخرى، وقضية جامعة بيرزيت أقرب نموذج على ذلك.
أدعي أن أخطر تصدع  هو التصدع الاجتماعي؛ الذي ينشب حين يضرب الاقتصاد من جراء أزمات متتالية_على سبيل المثال جائحة كورونا_ ما عكس ذلك في انعدام قيم أخلاقية واهتزاز ميزان العدالة الاجتماعية نتيجة العديد من التقلبات والمستجدات المعقدة سياسياً واجتماعياً وثقافياً.
للأسف التصدعات في المجتمع الفلسطيني تزداد بشكل متسارع، جميعنا يشعر بسرعة التصدعات حين تطغى المظاهر السلبية على الإيجابية، الكذب.. السرقة... الخيانة.. التملُق...الرشوة شكلاً من السلوكيات اليومية. للأسف العنف آخذ في النمو ويزداد تعقيداً يوماً بيوم، والقصص التي تطفو على السطح هي التي نشاهدها وهناك العديد منها مازلنا نجهلها لأسباب كثيرة ضمن عقيدة الخوف والحرام والعيب والعادات والتقاليد.
علينا أن لا نكذب على أنفسنا ونواجه الحقيقة؛ شئنا أم أبينا، ما يحدث في مجتمعنا هو إنذار بتصدع النسيج الفلسطيني، وحتى نواجه تلك التصدعات نحن بحاجة الى المزيج الصحيح من السياسات الجيدة، والحوكمة والإدارة الرشيدة، والمؤسسات والهيئات السليمة، وإذا كان المجتمع لا يزال يموج بتحولات، ويغالب الضغوط الاقتصادية خاصة، فعلينا أن نبحث عن مصدات التصدعات من خلال القوانين التي خلص إليها ابن خلدون في "المقدمة" عن تفكك الدول وتصدع المجتمعات، وانهيار الأمم والحضارات؛ وكلها قوانين مربوطة بالقيم، والفلسفة السياسية التي تطبق وتتعامل مع المجتمع.
إن النتائج الجغرافية والاقتصادية والسياسية لا تبعث على الأمل بتغير النتائج، فالتعصب سيد الموقف، كلٌ حسب التصدع الذي ينتمي له. إذا لم يجرِ رأب الصدع، فإن نسيج الحياة المشتركة في فلسطين يمكن أن يتضرر بشكل لا رجعة عنه. ومن أجل منع ذلك يتعين على "النخبة" في كل القطاعات التوقف عن تعزيز التصدعات والنزاعات بين المجتمع، من أجل مكاسب خاصة. ويتعين علينا جميعاً أن نبذل كل ما في وسعنا من أجل التوصل إلى قاسم مشترك أوسع، فالوطن صغير ولا يحتمل انشقاقات وتصدعات.