عندما يغيب الانتماء ويصبح الخاص هو كل شيء في الحياة، وعندما تتحول الفصائلية إلى حالة من التشنج دون إطار فكري وبعد أن يقدم العام على كل شيء، يصبح من السهل أن تظهر كل مظاهر السلبية والغطاء جاهز (البلد جميعها خربانة لم تتوقف الأمور علي)، طبيعي أن يصبح كل شيء مستباحاً وكل شئ بالإمكان تقزيمه وتخريبه وتدميره، عندما تنسحب من المشهد كوادر قديمة أشغلت مناصب حساسة واليوم يجمعها أي طبل ويفرقها مزمار تحت شعار أن البلد خربانة.
عندما يرفع من هو مسؤول يده عن البلد ولا يتدخل في أي مسألة ويظن أن منتمياً هنا ومتطوعاً هناك سيحل كل مشاكل البلد وسيكون ترساً يذود الخطر عن الحالة العامة برمتها، وعندما تقع الواقعة يصبح هذا مدانا لأن شيئاً لم يعالج بالقانون ولا بالعرف ولا بقانون المحبة ولا بالتاريخ المشترك.
حين يتكرر ذات الخطاب السياسي ويفقد مضامينه الاقتصادية والاجتماعية، وتغيب مصطلحات المواطنة والانتماء ومحاربة ما يقلق ويوجع الناس نصل الى ما وصلنا إليه اليوم.
لو أن الأمور لم تتراكم ولم تترك معلقة دون حسم لما وصلنا الى ما وصلنا إليه بدءاً من (جودة القمح المدخل في إنتاج الدقيق قبل ستة أعوام وتبخر الملف وولى) وصولاً الى (تبييض التمور من خلال استخدام تمور المستوطنات على أساس أنها فلسطينية) وصولاً الى (أغذية فاسدة ومنتهية الصلاحية) وينسحب الأمر على قضايا إيجار واستئجار واستقواء.
وتصر مجموعة كبيرة من ممثلي الحركة الطلابية على جنزرة أبواب كبرى جامعات الوطن جامعة بيرزيت، وتأخذ المشهد لأبعد من كونه مطالب نقابية ليتحول الى مشهد سياسي يريد فرض من يحق له أن يكون رئيساً للجامعة ومن هم نوابه، في سابقة قد تبدو مغرية في نظر البعض الذي يتطلع للأمور من بعد، ولكنه جزء من مشهد خرق السفينة كلٌ من ناحيته ان ظل هناك سفينة أصلاً.
ووصلنا ان تستقوي عشائر وعائلات على الكل، وإذا لم يحملني الإطار السياسي ستحملني عشيرتي وقائمتنا جاهزة.
عندما تستقوي المهن المختلفة بنقاباتها حتى لا تدفع ضريبة كما يدفعها المواطن عند شراء بكيت كبريت الى أن يصل الى جلن بنزين، وعندما تغيب العدالة في الضريبة وتضيق قاعدتها وتنحصر بقمة الهرم الضيقة الذين يدفعون الضريبة.
بات ملحاً أمام الحكومة ووزاراتها للخروج من دائرة الركض وراء الأزمة لحلها بل وضع تصور استراتيجي يمنع وقوع الأزمات، وتشكيل خلية أزمة أساسها جمعية حماية المستهلك لتنقل رأي الناس ووجعهم، ونعالج الأمور معاً قبل وقوع الأزمة ويستصرخ بعضنا بعضاً أن نكون مسؤولين.
بات ملحاً أن لا تتغول وزارة المالية على قرارات الحكومة وسياساتها خصوصاً أنها تعلن علناً (نحن جهة تنفيذية)، اذاً لو تكرمتوا انتظروا قراراً من مجلس الوزراء لتنفذوا ولا تغرقوا البلد في أزمات وتدّعوا أنكم جهة تنفيذية، وحتى لا نذهب أبعد في التحليل خصوصاً أن الشركات الإسرائيلية التي باتت أقل حضوراً في السوق الفلسطينية باتت تضغط لتتساوى بضريبة الشراء مع الشركات الفلسطينية، ولا نقبل ان يتميزوا علينا.
شكراً لمؤسسات العمل الأهلي التي أعدت دراسة عن العاملات في المستوطنات وهمومهن، وحمل وزير هذا الملف ووضعه على الطاولة وأخذه بالاعتبار في سياسته التنموية، وفجأة بات كأنه للاستخدام (تخيلوا أن 6352 امرأة فلسطينية تعمل في المستوطنات) تخيلنا ترى ماذا نحن فاعلون؟ تعال نتخيل الحلول الخلاقة.
ولا يجوز تغول القطاع الخاص على القرار المالي والاقتصادي، أنتم شركات تعملون وتسعون للربح، لا يجوز أن تستمروا بتحميل الناس فضائل، أنتم تستوردون خرافاً من الخارج وكثافة العرض خفضت السعر وأنتم حققتم أرباحاً طائلة، شكراً لكم وهذا أمر لن ننساه، أكثر من هذا، ليس من حقكم خوض معارك مع وزارة الزراعة هدفها زيادة امتيازاتكم. هناك أولويات لدى وزارة الزراعة وهم المزارعون الذين يحافظون على المياه والأرض، ومربو الثروة الحيوانية الذين تحولت مناطق رعيهم ومضاربهم الى مراكز تدريب عسكري للاحتلال.
الوضع معقد جداً وله آثار جانبية كثيرة لا يعرفها إلا من يعيشها ساعة بساعة من منطلق واجبنا التطوعي. وإذا بقينا نركض خلف الأزمة ولا نستبقها بإجراءات رشيدة وحكيمة لن يستقيم الأمر بالمطلق.