في منطقه تتشابك فيها سياسة التطهير العرقي والتمييز العنصري مع التواطؤ والصمت الدولي، كان لسكان قرى النقب مسلوبة الهوية والاعتراف النصيب المؤلم من العصي الاسرائيلية بتعرضها لمخطط اسرائيلي واضح المعالم والنوايا، يستهدف تهجيرهم ودفعهم الى ترك اراضيهم وقراهم، باعتبارها الجار المزعج لها انسجاماً مع مخطط اسرائيلي يهدف الى التخلص من الوجود الفلسطيني على الارض الفلسطينية، بغية الاستيلاء على تلك المناطق وضمها للسياده الاسرائيلية، فمن الخليل الى القدس واريحا وصولاً الى النقب، نرى مجتمعاً بدوياً متجانساً في ما يتعرض له من قمع وملاحقه وترحيل من قبل الجيش ومستوطنيه، فاسرائيل كانت عادله تماماً في توزيعها للظلم على جميع ابناء الشعب الفلسطيني دون استثناء، حتى بات قاب قوسين او ادنى من اطلاق رصاصة الرحمه الاخيره على وجوده وتشبثه بأرضه.
فما اشبه ما يجري اليوم في فلسطين بما يحدث في بعض الدول العربية، واخص بالذكر هنا سوريا والعراق من تغيير ديمغرافي ممنهج يتم من خلالها اقتلاع السكان من بيوتهم ومناطق سكناهم واستجلاب اخرين غيرهم ، حيث نلاحظ كمثالاً واضح وفاضح في بعض المناطق التي تم اخلائها بالكامل من ساكنيها قد تسارع فيها الوجود الشيعي على حساب المجتمعات السنية هناك، وذلك بناءاً على رؤيه طائفيه وقوميه، حيث مشاهد الاحياء التي هجرها سكانها والمدن الخاليه من الحياه، التي تعج بالبيوت المدمره، والشعوب التي انهكتها الحروب ما زالت في حالة هروب مستمر من الموت، مما تسبب في إحداث تخلخل كبير في المكونات السكانيه في تلك المناطق حتى بتنا ندخل مرحله جديده يتم من خلالها التعامل مع السكان الاصليين على انهم طريده يجب قتلها والغاء وجودها التاريخي بالكامل.
فمن التسلل الى السيطره وبأسلوب التحايل والاحتيال التي ينتهجها جيش الاحتلال الاسرائيلي، لاعبين ببراعه على وتر التخفي واخفاء الاثر، بمساعدة عصابات المستوطنون الذين يعملون على قدم وساق فيما يشبه النزهه، حيث التبادل والتناوب في الادوار على سياسات ارهابيه و عنصريه ممنهجه، تتمثل بالتخويف والاقتلاع والتشريد والتي من خلالها يخرجون الحقد الدفين الذي يكنونه اتجاه الانسان الفلسطيني ليعيد التاريخ نفسه بنسخته المعاصره من النكبة ايام العصابات اليهوديه عام الثماني والاربعين، حينها كان جيش الاحتلال قد اوكل مهمة ارهاب المدنيين والقتل والتشريد الى المستوطنين، بعد ان منحهم غطاءاً قانونياً واعلامياً والكثير من المال، مستغلين المستوطنين الذين هم فوق القانون لتنفيذ الجرائم والسيطره على الشوارع والمنازل والطرقات، ليصبحوا على اثر ذالك مصدراً محفزاً لمعاداة الساميه ذلك الشبح الذي كان وما زال يطاردهم ،وكيف لا وهم مسكونون بالخوف من الاباده.
فلا عجب اذا ان القلق الوجودي الذي يعاني منه الاسرائيليون بات في تعاظم مستمر، وهو بالذات من يقف خلف قانون الدولة القومية الذي سنته اسرائيل، والسبب الاساسي وراء استقدامها لمهاجرين يهود من جميع انحاء العالم الى فلسطين، فتراها تعيش هوساً امنياً، رغم انها هي الاكثر تسلحاً كماً ونوعاً، سعياً منها للتفوق على جميع اعدائها الفعليين والمحتملين، كما انها تعيش باستمرار في حالة صراع ديمغرافي بينها وبين جيرانها العرب، حتى تكون الغلبة السكانية لها وليس للاخرين، فبات المواطن الفلسطيني تحديداً البدوي، الذي لا يملك من امره شيئاً هو من يدفع الفاتورة الباهظه من دمائه بمواجهته محتلاً شرساً ليلاً نهاراً ووقوعه تحت رحمة هجمات المستوطنين، حيث المقاومه هناك من نوع اخر يمكن تسميتها بالمقاومه الديمغرافية التي هي في حقيقة الامر قنبلة موقوته في وجه المحتل، كل ذلك يحدث امام نظر العالم الذي يبدو وكأنه قد غسل يديه، تماماً مما يحدث متواطئاً وليس غافلاً يتخفى ويدفن رأسه تحت الرمال بالتزامه صمتاً مطبقاً لا نعرف له اسباب، فلا هيئات حقوقيه ولا منظمات دوليه ولا حتى وكالات اعلاميه ترى فيما يحدث اليوم من اجرام وحشي بحق هؤلاء، ما يخدش الشعارات الانسانيه والمعايير المهنيه والحقوقيه التي تتباهى بها هنا وهناك ولا يستدعي حتى ولو بأضعف الايمان ان تستنفر مثلاً وتدعوا مجلس الامن او الجامعه العربيه لعقد جلسة طارئه والتي من شأنها ان تبعد هستيريا عدوانها غن تلك القرى فكان صمت هؤلاء شريكاً في جرائم الحرب تلك..!
ولعل تغييب ادوات المحاسبه والردع هو ما شجع الصهاينه على ارتكاب المزيد من الانتهاكات بحق الفلسطينيين فما كانت اسرائيل لتمارس المحارق لولا الضوء الاخضر الي حصلت عليه ممن كُنا يوماً نعتبرهم صوت من لا صوت له ، كذوي القربى الذين جعلوا من الرئيس الرمزي لاسرائيل صاحب فخامه سامحه للنشيد الاسرائيلي ان يعزف في عقر دارها ولحاخام يهودي ان يكون ضيفاً يتم استقباله بحفاوه في قنواتها، رافقه طمع اسرائيلي بما هو اكثر مما هو مثبت في تلمودهم وعرفهم، وذاكرة المؤمنون بعقيدتهم وضعته اسرائيل نصب اعينها والتي توصي بضرورة عدم التنازل عن شبر واحد من النيل الى النهر، و التي تعتقد انها كانت يوماً ملكاً خالصاً لها ، حتى باتت عيونها تتجه الى ما هو ابعد من اقامة علاقات اقتصاديه مع الدول المطبعه فها هو الحلم الاسرائيلي بدء يتحقق وفقا لحساباتها ومكنون رغباتها بدخولها الى العمق الخليجي بطائرات العال عوضا عن حصان طرواده يتحالفون معهم ولاكن وفق مبدأ "انت معنا ولكن ليس منا" على الرغم من تشريع تلك الدول كافة ابوابها لاسرائيل ، بمعنى ان تعزيز اسرائيل لوصالها مع الدول المطبعه منصب فقط على ما قد تجنيه هي من مكاسب وبما من شانه ان يخدم مصالحها في المقابل سيلازم هؤلاء المطبعون عارا وعاهه اخلاقيه لن تمحى ندوبها مهما حاولوا من تغطيتها او اخفاؤها ....!