شهد الوضع الفلسطيني تفاعلا وحراكات سياسية غير مسبوقة منذ دورة المجلس الوطني الـ 17 في عمان العام 1984. مقاطعون من تنظيمات وأعضاء مستقلين، وأعضاء مقاطعون من تنظيمات مشاركة. جيش الفيسبوك أبلى بلاء حسنا في الهجوم والتحريض على المقاطعة والانشقاق، كان أبلغ ما في المشهد حضور أعضاء المجلس المركزي من حزب الشعب افتتاح المجلس وانسحابهم احتجاجا على جدول الأعمال المعروف مسبقا، لم يكن حضور الحزب بهذه الصيغة مبررا ولا انسحابه مبررا، كانت النتيجة انعقاد الاجتماع بنصاب. هل يمكن تسمية ذلك ديمقراطية، يجوز ذلك، فقد تركت هذه الدورة بصماتها على البنود كبناء منظمة التحرير، وإعادة النظر في العلاقة مع دولة الاحتلال ودراسة آلية تطبيق القرارات السابقة، فضلا عن نقد إدارة بايدن، والاهم ثبت انه يمكن ممارسة معارضة من داخل المؤسسة الفلسطينية من زاوية التأثير على القرار من داخل المؤسسة. لقد كان للمعارضة السابقة دور في صياغة قرارات كوقف التنسيق الأمني وسحب الاعتراف بإسرائيل، وتغيير أدوار السلطة، هذه القرارات لم تطبق، وكانت بحاجة إلى خوض معركة تطبيقها في هذه الجلسة.
من يتابع الأيام السابقة واليوم الذي انعقدت فيه دورة المجلس المركزي رقم 31 سيجد صراعا واستقطابا حاميَي الوطيس بين القطبين الرئيسيين الموزعين بين "فتح" و"حماس". كان الصراع يتركز على عقد دورة المجلس المركزي من جهة، وتعطيل الجلسة ومنعها في الجهة المقابلة. الطرف المعطل استخدم في دعايته وخطابه تقديره بعدم شرعية الجلسة في غياب التوافق الوطني، وبسوق تهمة سعي القيادة للتكيف مع السلام الاقتصادي، والتنكر لقرارات المجلسين الوطني والمركزي السابقة. الطرف الرسمي ينطلق من استحقاق الاجتماع، ومن قرار المجلس الوطني في آخر دورة له بتخويل المجلس المركزي القيام بدوره في حالة تعذر انعقاده.
إن الحجج التي تستند إلى عدم شرعية الانعقاد لا تصمد أمام واقع مؤسسات المنظمة "الشرعية الفلسطينية" التي تسيطر عليها أكثرية منضوية أو مؤيدة لحركة فتح بمشاركة تنظيمات أخرى استنادا لنظام الكوتا الذي ما زال يفعل فعله، كما لا يعني وضع التوافق كشرط دونه يجري تعطيل المؤسسة، بانتظار تحقيقه، لا سيما أن التوافق لم يتحقق كالشراكة بين الحركة الوطنية التاريخية (م. ت. ف) والإسلام السياسي تاريخيا، حتى التوافقات المعبر عنها في اتفاقات، والتي جاءت بمساعدة مصرية وقطرية لم تصمد ولم تترجم من قبل القطبين. العنصر الذي ساهم في احتدام الخلاف تأتى من تحويل مهمات المجلس التشريعي المنحل للمجلس المركزي، وتحويل صلاحيات المجلس الوطني للمجلس المركزي، ما جعل له دورا مركزيا مقررا في الشأن الفلسطيني، لذا أصبح الصراع على المجلس محتدما.
السبب الرئيسي غير المعلن يلخصه الذهاب أو عدم الذهاب إلى الإطار القيادي المؤقت، المنصوص عليه في اتفاقات سابقة، هذا النص الذي يستبدل الشرعية (اللجنة التنفيذية للمنظمة) بإطار بديل. لقد وضع هذا البند أساسا لقطع الطريق على التوافق، فحركة حماس المتهمة - بغير وجه حق - دوليا وعربيا بالإرهاب، هي التي تحتاج الشرعية الفلسطينية (المنظمة) لمواجهة التهمة، وليس العكس. فيما مضى ذهبت حركة فتح ومنظمات عمل مسلح إلى المنظمة والى المجلس الوطني وأحدثت التغيير من داخلها، وكانت حركة فتح في ذلك الوقت متهمة بتوريط الأنظمة العربية في معركة غير ملائمة زمانا ومكانا للجيوش العربية، وهي تهمة خطيرة في ذلك الوقت. ما الذي يضير حركة حماس والجهاد الإسلامي من دخول مؤسسات المنظمة وخوض المعركة الديمقراطية والسياسية من داخلها، وعبر الانتخابات. صحيح أن مؤسسات المنظمة بيروقراطية وأبوية ومتكلسة ومنفصلة عن نبض الناس وبخاصة في الشتات، لكنها كانت ولا تزال هي الشرعية الفلسطينية المعترف بها عربيا ودوليا والمعترف بها في الأمم المتحدة، ولديها سفراء في معظم دول العالم. البديل عن ذلك، تحويل المنظمة إلى لون واحد، أو تعطيل المؤسسات وانفراط الشرعية، أو تأسيس إطار تنظيمي بديل. علما أن كل محاولات تأسيس بديل (جبهة الرفض، وجبهة الإنقاذ، والفصائل العشرة في دمشق، وسلطة غزة) كلها أخفقت في تأسيس بديل مواز للمنظمة، ولم يتجاوز عدد الدول المؤيدة لها عدد أصابع اليد الواحدة.
حجة "حماس" المسكوت عنها في هذه الدورة هو خروجها من المولد بلا حمص بعد حل التشريعي ونقل صلاحياته للمركزي وبعد نقل صلاحيات المجلس الوطني للمركزي الذي تسيطر عليه حركة فتح وتتحكم في قراراته. ما زاد الطين بلة هو تأجيل الانتخابات في محطاتها الثلاث (التشريعي والرئاسة والمجلس الوطني) ورهن إجرائها بموافقة دولة الاحتلال على مشاركة المواطنين في مدينة القدس الشرقية. لقد حرصت حركة حماس على عدم مشاركة قوى أخرى في المجلس المركزي إضافة لحركة الجهاد حليفتها الأولى، ويعتقد أنها توصلت إلى تفاهمات مع الجبهة الشعبية، بيان الجبهة الذي وضع شرط إنهاء الانقسام والتوافق كشرط مسبق لاجتماع المركزي، وضاقت "حماس" ذرعا بمشاركة الجبهة الديمقراطية التي تعرضت لنوع من التهديد والوعيد بحسب تقرير لـ"الميادين"، وكان من نتائج ذلك استقالة الناطق الرسمي باسم كتائب المقاومة الوطنية التابعة للجبهة الديمقراطية وخلق أجواء عن انشقاق في الجبهة الديمقراطية.
هناك قضيتان حساستان هما انتخاب رئيس للمجلس الوطني من داخل المجلس المركزي وليس من داخل المجلس الوطني، والاعتراض على ذلك فيه وجاهة، صحيح أن انتخاب رئيس للمجلس الوطني مستحق، وجرت العادة أن تكون الشخصية محط قبول وثقة الشركاء بقطع النظر عن استطاعة حركة فتح ترشيح وانتخاب من ترغب فيه انسجاما مع سيطرتها على المجلس. الشيء نفسه ينطبق على أمين سر اللجنة التنفيذية المركز الشاغر الذي خلفه رحيل أمين السر السابق صائب عريقات، حيث من المفترض أن يكون محط ثقة القوى الأخرى.
اجتماع المركزي ليس خاتمة المطاف، ما بعد الاجتماع أهم، من زاوية، العمل على تحويل القرارات إلى حيز التطبيق، ومراجعة المسار الذي قاد ويقود إلى تعميق المأزق، ومراجعة الأدوار استنادا لمعايير وطنية وأخلاقية والفرز بين الفاسدين وغير الفاسدين، بين اللاديمقراطيين والديمقراطيين، والاهم العودة للانتخابات باعتبارها الطريق الأقصر لاستعادة الثقة وتكريس الشرعية.