رغم أن قرار القمة الأفريقية الخاص بعضوية إسرائيل المراقبة في الاتحاد الأفريقي، لم يكن قاطعاً، أو نهائياً، برفض تلك العضوية التي كان قد منحها إياها موسى فقي محمد، رئيس مفوضية الاتحاد، رئيس وزراء تشاد سابقاً، كما طالب بذلك رئيس الوزراء د. محمد اشتية، إلا أن تعليق تلك العضوية، وتحويلها الى لجنة رئاسية خاصة، يعتبر إنجازاً كبيراً جداً، بل انتصاراً سياسياً للقيادة الفلسطينية وحلفائها على الصعيد الأفريقي، ونخص بالذكر منهم الجزائر الشقيقة وجنوب أفريقيا ونيجيريا، ذلك أن التعليق جاء تجنباً لحدوث انشقاق داخل الاتحاد على خلفية هذه المسألة، خاصة وأن المؤتمر المذكور إنما هو مؤتمر القمة، الذي يجمع رؤساء الدول ومن ينوب عنهم، كذلك كون تلك القمة ناقشت مواضيع ساخنة جداً، تتعلق بوقوع انقلابات عسكرية في ست دول أفريقية، الى جانب الحرب الأهلية في إثيوبيا الدولة التي تستضيف الاتحاد الأفريقي، وهموم عديدة تخص القارة السمراء.
نعود لتبرير لماذا نعتبر تعليق عضوية إسرائيل في الاتحاد الأفريقي انتصاراً سياسياً فلسطينياً، لنقول، بأن مفوض الاتحاد، حين اتخذ القرار قبل بضعة أشهر، كان يستند الى انشغال أفريفيا بقضايا داخلية، منها الانقلابات العسكرية، ومنها التوتر بين كل من مصر والسودان من جهة وبين إثيوبيا من جهة ثانية، فأراد أن يقدم خدمة لأثيوبيا البلد المضيفة للاتحاد، حتى يبقي على منصبه ونفوذه، ذلك أن أثيوبيا تحتاج الدعم الإسرائيلي لتعزيز صراعها حول سد النهضة مع مصر والسودان، وكان هذا مدخله، خاصة وأن مصر لا يمكنها أن تعارض بشدة كونها أصلاً مرتبطة باتفاقية سلام مع إسرائيل، فيما السودان كذلك بسبب أوضاعه الداخلية لا يمكنه أن يقف ضد القرار الذي هو في صالح إسرائيل، وفعلاً حين عرض القرار على اجتماع وزراء الخارجية، كان واضحاً بأن وزير خارجية السودان في ذلك الوقت مريم الصادق المهدي، ممثلة للمكون المدني في الحكم السوداني كانت ضد عضوية إسرائيل المراقبة في الاتحاد الأفريقي، الأمر الذي كان سبباً في تقديرنا الشخصي، بأن يذهب المكون العسكري للانقلاب على شراكته مع المكون المدني، دون أن يخشى رد الفعل الأميركي والغربي، نظراً لدعم إسرائيل له في ذلك الانقلاب على الأقل!
هذا يعني بأن إسرائيل الى حين بت اللجنة الرئاسية الخاصة بالقرار لن تمارس تلك الصفة، وبالنظر الى تشكيلة اللجنة، فإن المكتوب يقرأ من عنوانه، فهي تضم كلاً من الرئيس الجزائري ورئيسي جنوب أفريقيا ونيجيريا، اللوبي العظيم الذي وقف بقوة ضد قرار المفوض الأفريقي، والذي برأينا أمامه أن يحسم الأمر بقرار صريح من قبل اللجنة برفض عضوية إسرائيل، وفي أسوأ الأحوال بعدم عقد اللجنة، وبذلك فإن تفعيل قرار المفوض يحتاج الى قرار صريح من اللجنة بالموافقة، وذلك أمر بات شبه مستحيل بتقديرنا.
أما عن الكفاح السياسي الفلسطيني ضد قرار المفوض الأفريقي آنف الذكر، فهو اعتمد على عضوية فلسطين المراقبة أصلاً في الاتحاد، حيث كان الرئيس محمود عباس يحرص على حضور قمم الاتحاد دائماً، ورغم أنه لم يتمكن هذه المرة_ ربما بسبب الانشغال بعقد المجلس المركزي، الذي واجه عرقلة غير مبررة من المعارضة، التي ما زالت تثبت عدميتها، لكنه انتدب رئيس الوزراء الدكتور محمد اشتية، الذي كان كفؤا للغاية وقدم مداخلة قوية ومقنعة، استندت أولاً لتراث أفريقيا العظيم لجانب الحقوق الفلسطينية، كذلك الى حسن الحظ الفلسطيني، بنشر منظمة العفو الدولية قبل أيام فقط تقريرها الذي اعتبر إسرائيل دولة فصل عنصري، وأفريقيا تعرف جيداً ما هو الفصل العنصري الذي عانت منه وما زالت تعاني منه كثيراً.
أما الجانب الآخر، فقد استند الى الاختراق الإسرائيلي لجدار الصد العربي، قبل نحو عام ونصف، ممثلاً باتفاقيات التطبيع "أبراهام"، حيث لوحظ بأن عرب أفريقيا باستثناء الجزائر، والى حد ما تونس، لم يتجندوا بقوة ضد قرار المفوض، وهذا يثبت مجدداً مدى السوء الذي ألحقته اتفاقيات أبراهام، بالجانب الفلسطيني وبفرصة إحلال السلام في المنطقة، على عكس كل ما قيل من كذب حول أهداف تلك الاتفاقيات.
أما الدرس الذي لا بد من تعلمه من تلك المعركة السياسية، فهو أن فلسطين تحقق انتصارات بالنقاط، وأن الضوء في آخر النفق، كما كان يقول دائماً الراحل العظيم ياسر عرفات، وأن قناعة العالم بأسره بكون إسرائيل ليست دولة احتلال مارقة ومتمردة على القانون الدولي، وحسب، بل بكونها دولة عنصرية أيضاً وبالأساس، بات وشيكاً، وأن مصيراً مشابهاً لمصير دولة الفصل العنصري التي كانت في جنوب أفريقيا قبل أعوام، تقيم المعازل وتمارس نزعة التفوق العرقي على السود، ينتظر دولة إسرائيل وفي مدى لا يبتعد كثيراً عن هذا الوقت الذي نحن فيه.
وهذا يعني بأن مواصلة هذا الطريق، أي طريق الكفاح السلمي القانوني والحقوقي والسياسي، إلى جانب المقاومة الشعبية الفلسطينية، تماماً كما كان يفعل شعب جنوب أفريقيا بقيادة الراحل العظيم نلسون مانديلا، وحيث كنا قد اعتبرنا رئيسنا محمود عباس، قبل أعوام، في مقالات سابقة لنا _هنا بـ "الأيام"_ بأنه مانديلا فلسطين، هو طريق مؤكد ومضمون لتحقيق النصر على الاحتلال الإسرائيلي وعلى عنصرية إسرائيل في الوقت نفسه.
وفي الحقيقة، فإن هذا يعني بأن صراع البرامج الداخلية، أو الخلاف حولها، حين يجري بهدوء ودون صخب، وبعيداً عن الحقل الإسرائيلي، الذي يحاول دائماً أن يحشره في دائرة التوتر، ليس على صعيد جبهته مع الجانب الفلسطيني فقط، ولكن على الصعيد الإقليمي أيضاً، فإنه يؤكد هذا المنحى، خاصة وأن العالم قد تغير من جهة، ومن جهة أخرى، فإن الصراع السلمي السياسي والقانوني، يجنب فلسطين أن تحسب على طرف إقليمي، في حال نشوء الحرب الإقليمية، أو حتى يجنبها الحسابات الإقليمية في حال التوتر والصراع الدائر حالياً، كما يجبها أن تكون بيدقاً بيد طرف كوني في حال تجدد الحرب الباردة أو ما يشبهها، كذلك يجنبها أن تكون دائماً عرضة للتدمير والحرق، نتيجة الحروب المتتالية، كما حدث مع غزة طوال عقد ونصف حتى الآن.
وهذا حديث آخر لا بد من الدخول إليه بكل جرأة عبر المقارنة بين خوض الصراع مع إسرائيل بطول نفس من خلال إطلاق مقاومة شعبية سلمية تحقق النصر بالنقاط، في نهاية المطاف، وبين خوضه عبر مقاومة مسلحة، لا تحظى بالتأييد الدولي، لا رسمياً ولا شعبياً، فضلاً عن أنها تعني مواجهة القوة العسكرية الإسرائيلية الطاغية، وكونها ترهن المقاومة الفلسطينية نفسها للتحالفات الإقليمية التي تقابل بأثمان سياسية، شئنا أم أبينا!