لم تعد المستعمرة الإسرائيلية، البقرة التي تجلب الحليب والحظ والمكانة الرفيعة لمن يقف إلى جانبها، ويتبنى روايتها، ويدافع عن احتلالها، وعنجهية قياداتها السياسية والعسكرية والأمنية.
مقال نيويورك تايمز لرونين بيرغمان ومارك مازيتي عن «المعركة من أجل أقوى سلاح تجسس سيبراني في العالم» يفضح القدرة الإسرائيلية على التجسس بواسطة الهواتف النقالة، يكشف الوجه البشع للمستعمرة في اختراق خصوصيات البشر على المستوى الدولي، وهي جريمة غير أخلاقية غير مسبوقة بهذا المستوى من الإنحدار الذي نتيجة أفعال وسياسات المستعمرة وأجهزتها وأدواتها وأحد شركاتها، باعتبارها ذراع الأجهزة الأمنية وأداة ابتزاز للتسويق والتطبيع، مع بلدان العالم.
مقال الواشنطن بوست الجريء، للكاتب المختص في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مايراف زونسزين، نشرته تحت عنوان «على إسرائيل أن تختار بين الانسحاب من الأراضي المحتلة أو منح الفلسطينيين الخاضعين لسيطرتها حقوق المواطنة الكاملة»، يعكس تجاوز الخوف الذي فرضته الصهيونية في جعل من ينتقد المستعمرة وسلوكها وسياساتها معاديا للسامية.
النيويورك تايمز والواشنطن بوست، يمثلون التوجهات الإعلامية الأميركية التقليدية المتنفذة المؤيدة للسياسات الإسرائيلية والنفوذ اليهودي الصهيوني في الولايات المتحدة، ومن هنا تبرز قيمة المقالات الناقدة للمستعمرة، عاكسة التطور الإيجابي المتدرج في التراجع التراكمي عن التأييد الأعمى للمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي لدى الأميركيين.
لقد وظفت الصهيونية مأساة اليهود في أوروبا والمذابح التي تعرضوا لها على يد القيصرية والنازية والفاشية، لكسب ود أوروبا لدعم مشروع الصهيونية ووعد بلفور في إنشاء مستعمرتهم على أرض فلسطين.
كما مررت التضليل والكذب بقيام الدولة لشعب (اليهود)، على أرض (فلسطين) بلا شعب، وكأن فلسطين خالية من سكانها وأهلها، وهذه جريمتهم الأولى بحق الفلسطينيين.
وعملوا على تطهير فلسطين من شعبها طوال نكبة 1948، عبر المذابح والطرد والتشريد، وهي جريمتهم الثانية، وثقها آلان بابيه اليهودي الإسرائيلي في كتابه الوثائقي الهام: «التطهير العرقي في فلسطين»وهو مقيم في لندن رفضاً للإقامة في ظل السياسات الاحتلالية.
كما نجحت المستعمرة في تسويق وربط النقد لسياساتها وسلوكها وجرائمها، على أن هذا النقد يُعبر عن العداء للسامية وضد اليهود، فأوقعوا الرُعب في نفوس السياسيين والإعلاميين الذين تحفظوا وترددوا في نقد المستعمرة حتى لا تلتصق بهم اتهامات العداء للسامية.
مواقف وتقارير منظمات آمنيستي البريطانية، وهيومن رايتس الأميركية، وبيتسيلم الإسرائيلية وتسجيلها الوثائقي للأفعال الرسمية المعادية للفلسطينيين وحقوق الإنسان، وكُتب آلان بابيه المنشورة ولغيره من الكُتاب فضحوا الدوافع الأيديولوجية والدينية المزيفة للصهيونية ومشروعها الاستعماري.
مقالات النيويورك تايمز والواشنطن بوست، إضافات تراكمية تدريجية، لمصلحة الشعب الفلسطيني وعدالة قضيته ومطالبه واستحقاقاته، وتصويب ما علق به من تزييف وتضليل، وفضح حقيقة الصهيونية ومشروعها الاستعماري التوسعي الإسرائيلي على أرض فلسطين.
مهما علا شأن المستعمرة، ومهما توسعت، ومهما تفوقت وبطشت وقارفت من الجرائم، مصيرها الهزيمة والانحدار والتعرية والعزلة، لأنها لا تملك الحق، وتفتقد للعدالة، ومعادية لحق الإنسان الفلسطيني في الحياة.