في مقالي الأسبوع الماضي بعنوان "التصدع سيد الموقف"، تحدثت عن التصدعات التي تضرب كافة المستويات الأفقية أو/و العامودية في المجتمع الفلسطيني، وحتى أكون صريحا معكم كم كنت متمنياً أن تقف الأمور فقط حد التصدعات لأننا في مرحلة تجاوزت ذلك ودخلنا مرحلة الانهيارات والانكسارات لكل تصدع، وحتى أكون أكثر تحديداً أتحدث هنا عن المجتمعات الفلسطينية في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة والداخل الفلسطيني.

تابعنا ما يحدث في الخليل، لكن الواقع أكبر من ذلك، لأن هذا المشهد هو جزء من مسلسل قائم في مناطق مختلفة من أم الفحم، قباطية، بلعا، نابلس، البعنة، حيفا... تابعنا أيضاً جامعة بيرزيت وهي جزء من انهيارات مؤسسات متنوعة مختلفة كنّا نتابعها ونحن نقف مشاهدين دون أي تدخل من مستشفى، مسرح، نقابة، جمعية، مجلس قروي، مؤسسة أهلية، نتابع انهيارات لتصدع الأخلاق من خلال تصرفات وسلوكيات بعيدة كل البعد عن المفاهيم الثقافية والوطنية.

ذلك كله وأكثر سببه من الزاوية العلمية يتم تفسيره على أنه حالة من الاضطراب والخلل الوظيفي في نسيج العلاقات البنيوية للمجتمع ما يُضعف علاقات الأفراد ببعضهم، لدرجة الهشاشة القابلة للكسر، وكذلك علاقتهم جميعا بمجتمعهم.

عكس الانهيار والتفكك هو التكامل الاجتماعي، وبحسب التصور الوظيفي الكلاسيكي في علم الاجتماع من وجهة نظر ابن خلدون فإن التكامل مرهون بعناصر داخلية، بينما التفكك هو خلل وظيفي نابع من متغيرات خارجية على البنية الاجتماعية.

وإذا ما أردت نقد تلك النظرية بإسقاطها على واقعنا الفلسطيني الذي ذكرته سابقا او في مقالي الماضي، فإن عيوب هذه النظرة أنها تغفل مسؤولية العوامل الداخلية في إحداث التفكك والانهيارات، لدرجة أن الانكسارات في واقعنا بلغت درجة أن الانقسامات الاجتماعية والسياسية أصبحت ظاهرة واضحة وضوح الشمس للعيان وعلامة على تآكل وتفتت المجتمع والنسق الاجتماعي، لذلك فإن ظهور التصدعات المُنهارة بذاتها هو بمثابة تجسيد لحالة الانكسارات المُتشظية والتفتيت الذاتي الذي أصاب المجتمع المتصدع على ذاته لدرجة الانهيار المستند على ذاته بهشاشة واضحة أي تحرك سيؤدي إلى الهاوية أو المتاهات المتتالية.

إن رأب الصدع ومنع الانهيارات المُجتمعية الفلسطينية يتطلب التحرك بأسرع وقت من خلال  التنفس الصناعي وصدمات كهربائية سريعة في محاولة إنقاذ وإحياء الإرادة الوطنية، وتعزيز وتمكين قوة القانون والدستور من خلال أنياب العدالة، ويجب فرض هيبة الدولة ودورها في حماية كل المواطنين دون تمييز لأي من كان، والعمل على الحفاظ على الحقوق والممتلكات العامة والخاصة من أهوال العابثين بالبلد وفقا لإرادة الآخرين.

 كما يستدعي العمل، اليوم، قبل الغد على نشر وتعميم الثقافة الوطنية الفلسطينية، ودعم الرؤى الإيجابية الفردية والجمعية اللازمة لبناء الحياة الحرة الكريمة المستندة على المواطنة والوطنية السليمة المبنية على السيادة والقيادة لتعزيز اللحمة المجتمعية والألفة والتقدير الكامل لمعاني التحرير وتقرير المصير والاستقلال المُستند بالفعل العملي البنّاء.

 وهذا يتطلب استنهاض من كل مكونات المجتمع العازم على جبر معالم التحرر الفلسطيني بجوهر الوطن التاريخي والسياسي والجغرافي والثقافي والإنساني. فهل نمتلك المقدرة على وقف هذا الانهيار في تصدعاتنا؟!!