ما المطلوب من الساسة وصناع القرار غير الوفاق ومنحنا الأمل!
الأدب من الحياة، والنقد والبحث من الأدب والحياة.
في البداية والنهاية، نحتاج لكلمات موضوعية تعبر عن مواقف مسؤولة، لعلنا بكلمات قليلة نصل إلى عمق أبناء وبنات شعبنا، جمهورا ونخبا.
قبل ثلاثة عقود، في بداية الشباب، قرأت كتاب "السينما والسياسة في مصر: 1961 -1981"، كان رسالة دكتوراه للإعلامية المصرية د. درية شرف الدين، وزيرة الثقافة والإعلام بعد ثورة يناير، والسبب المباشر لاقتناء الكتاب في القاهرة، سنة تخرجي، هو أنني كنت من متابعي برنامج "نادي السينما"، على مدار 4 سنوات، والذي كانت تعده شرف الدين، حيث كانت تعرض فيلما، وتستضيف شخصية من صناع الفيلم، أو المشاركين فيه، أو ناقدا سينمائيا. وهكذا، وعلى مدار السنوات الأربع وما تراكم من معرفة ووعي، اقترن بالدراسة الأكاديمية.
سأعلم حديثا أن دكتورة درية خريجة سياسة واقتصاد، ولكنها "دخلت الفنون الجميلة كنوع من المعرفة لأن الفن يعكس الحالة الاجتماعية والسياسية حتى الأفلام العاطفية والاجتماعية بها ملامح من الفترة التي ظهرت فيها، حيث استفادت بشدة، حتى أن رسالة الدكتوراه الخاصة بها كانت عن السياسة والفن في مصر".
المهم، أن اختيار السنوات في دراسة شرف الدين لم يكن ارتجالا، حيث خصصت الكاتبة فصلا عن العنف في السينما، رابطة ذلك باللحظة التاريخية المعروفة، والتي كانت نهاية مرحلة وبداية مرحلة أخرى، ولربما تستكمل درية شرف الدين ما بدأته، مرورا بالتحولات ما بين 1981 والآن.
لم نكن في الثمانينيات نسمع بمصطلح العنف إلا في مجال محدود: العنف على خلفية سياسية، وكان ذلك محدودا، وقد حدث في بعض المعاهد والجامعات، والعنف على خلفية عائلية، وكان قد خف في الانتفاضة الأولى، والقليل عن العنف الأسري. لذلك كان العنف السياسي محدودا، ووحده الاحتلال هو الفاعل العنيف، حيث شكلت ردود الفعل الشعبية مقاومة مشروعة بل وأخلاقية.
كان قطار التسوية قد انطلق في مدريد، ثم عشنا لنشهد أوسلو، وما حصل من ردود فعل متنوعة، لم نكن نفكر أبدا إلى اقتتال، وصولا إلى ما حصل في لحظة تاريخية، ما زلنا ندفع ثمنها، حيث لم يقف خطرها على الانقسام السياسي بين فصيلين، بل ومنذ ذلك الوقت، حتى الآن، (وعساه يتوقف) ونحن نعاني سلسلة انقسامات وتشظيات، طالت العلاقات نفسها داخل الفصائل نفسها، خاصة الفصيل الأكبر.
الآن، لمن يتابع حالنا في المجتمع والمؤسسات، يلاحظ بوادر احتقان وتشظ واصطفافات جديدة، حيث للأسف، لقد وصلت آثارها إلى المجتمع نفسه، سواء في قيادة المركبات، أو حوار بين موظفين في مؤسسة، ناهيك عن محدودية التعاون بين المسؤولين، بسبب غير موضوعي طبعا.
الوعي والمسؤولية ماذا سنفعل بهما!
في العام 1992، حينما قرأت كتاب درية شرف الدين، لربما كنت أرى مجتمعنا استثنائيا، بسبب رومانسيتي، وبالرغم أنني عرفت بالطبع عن الخلافات السياسية بيننا، لكن لم أتوقع المزيد.
لكن كل مجتمع في النهاية هم مجموعة بشر تجري عليهم التحولات، ونحن لسنا استثناء؛ فلم تمر سوى 3 أعوام حتى بدأت ألاحظ التحولات، فأتذكر الأفلام والروايات التي تتناول المجتمعات في الفترات الانتقالية.
كل فترة لها تاريخها، ولأن الفتنة السياسية طالت، فقد صار لها تاريخ، لكن، الآن، ماذا نحن صانعون؟ وهل سنشهد قدوة سياسية تخفف من هذا الاحتقان؟
(طول عمرنا) ونحن مختلفون على الخلافة، وكل منا له حكايته، لكن ألا يدعونا واقعنا تحت الاحتلال إلى التفكير بمضمون الفعل الفلسطيني، وأنه ليس المهم من سيكون الخليفة في مستويات قيادة المؤسسات وصولا إلى القيادة، بل ما ننوي فعله، وإنما الأعمال هي بصفاء التخطيط باتجاه الخلاص الجمعي، بمعنى أنه كان من الأفضل التواجد في المجلس المركزي لمن له رأي يعارض به.
مطلوب، الآن، من القيادات منحنا الأمل، وتخليصنا من أي فعل عنيف، حتى ولو على مستوى التخاطب والإعلام، والحق أنني ومعي كثيرون نحترم الكثيرين من المختلفين في قضايا متنوعة، لكنهم يؤثرون استمرار اللحمة والوحدة، لسبب بسيط هو أننا ماضون للهدف نفسه.
طريق الخلاص والتخلص من أسباب العنف بجميع أشكاله، (وليس فقط ما يتم التركيز عليه في قضية المرأة)، معروف، وهو يبدأ من احترام القرارات الديمقراطية، بصرف النظر عن الكثير من التفاصيل.
إنها منظومة، إذاً، نشترك فيها جميعا، من الضروري أن نضمن بقاءنا المتصالح لا المتشظي، اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، فكل ما (ومن) يدعو إلى أفعال بل وأقوال يرى بحكمته وانتمائه أنها تذهب بنا خارج طريقنا في التحرر، فليتلطف بها، ويوظفها للهدف النبيل.
يعني هل يتوقع القارئ/ة هنا أننا "سنأتي بما لم يأت به الأوائل"، كما قال أبو العلاء؟ لا بالطبع، السبب أن ما نحتاج لفعله واضح، وبكلمات قليلة، فإنني أثق بشعبنا الحكيم، الذي يدرك دون كلام كثير، ما الذي ينبغي فعله، وكيف سنجد طريقا نصير فيه أقوى لا أضعف، من خلال المحافظة على المنجزات فوق الأرض، وصولا لزيادتها، لتأكيد الحضور السياسي؛ فالحقوق ثابتة، والوضع الدولي لم يعد يطيق العنصرية والاضطهاد، بل هناك قناعات لدى الجميع بضرورة حل يضمن الكرامة حتى وإن تحاول حكومات إسرائيل المتعاقبة تجنب ذلك، فاللحظة التاريخية لنهاية الاحتلال قادمة وليست بعيدة، وهي تحتاج وحدتنا معا، وتقوية الكل للواحد، والواحد للكل، كما ينبغي للنبل أن يكون.
لقد انتهى شعار "لعيب أو خريب"، فمن الصعب التأثير على حكمة شعبنا، ولم يكن لقرار سياسي أن يكون إلا بإدراك المقررين ما يريد شعبنا، الذي يعرف "أن اللي بكبر قفته ما راح يشيلها".
الأمور تسير نحو مصلحة شعبنا لا كما يتوقع آخرون نحترمهم، لكن ندعوهم لتحسس الحكمة أكثر؛ فليس من الملائم هنا إلا أن نحترم بعضنا بعضا.
صبر وحكمة وعمل واجتهاد، ثم هكذا حال الدنيا، تتغير الوجوه، لكن لا تتغير الأهداف، فالخلاص الجمعي يستحق أن نرتقي للفعل النبل.
في تراثنا ما يمنحنا الأمل "إني وليت عليكم ولست بخيركم..."، إذاً، لنمارس الديمقراطية في المساءلة والحكم الرشيد، ولعل القادم سياسيا سيستوعب ذلك، بسبب النية بالتطوير والإصلاح، لأجل نيل الشرعية واستمرارها.
نتفاءل بالخير وسنجده.