طالما عانت مؤسسات التعليم العالي الفلسطيني، وأخص بالذِكر جامعة بيرزيت، من الاحتلال الإسرائيلي وقيوده على الأرض. القيادة في التعليم العالي في فلسطين تنعكس في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وسياساته العنصرية التي تعيق حق الإنسان في التعليم.

جزء من مهمة الجامعات الفلسطينية هو توفير خدمة التعليم العالي بمعايير وقيم عالمية وتقديم جميع نظريات وتجارب الابتكار وريادة الأعمال والروبوتات والذكاء الاصطناعي والعلوم والتبادلات الافتراضية والندوات عبر الإنترنت والتعليم الالكتروني والتصنيفات العالمية. ولكن، حان الوقت أن تتنبه الجامعات الفلسطينية أن مهمتها الأساسية في هذه المرحلة هي تخريج جيل فلسطيني لا يحمل الشهادات فحسب، بل يتحلى بمجموعة من المهارات المصممة خصيصاً لبيئة مليئة بالحواجز والاختلاف والمخاطر العالية وعدم اليقين.

تحتاج الجامعات الفلسطينية إلى تعزيز مفاهيم التكيف والاستدامة ومساعدة الطلاب على تطوير مهارات الحياة وتبني لغة الحوار وتقبل الآخر وتحمل المسؤولية في حل النزاعات، وتعزيز التحليل الناقد وضرورة تحلي الطلبة بمهارات التفكير خارج الصندوق في ابتكار الحلول، ضروري أن يدرك الطلاب بأن التعليم بحد ذاته هو خلاص الشعب الفلسطيني، وبالتالي من غير المقبول ان يستمر تبني أداة “الإضراب” كحل بعد كل ما أثبتت من تدمير وتراجع يستحيل تعويضه.


يحتاج التعليم العالي في فلسطين إلى توليد القيادة الشبابية التي تدرك أن التعليم هو استراتيجية الخروج التي لا غنى لنا عنها في الوضع الراهن. من المهم تزويد الطلاب بالفرص لقيادة التجارب التي ستساعدهم على التكيف مع التحديات والمتغيرات لاختراق مستقبل مشرق وتحقيق أهدافهم بعقلانية وحكمة ووطنية بأقل الخسائر.

من الضروري لأي مؤسسة أن تعتبر القيادة عاملاً أساسيًا في طريقها نحو الازدهار، وهذا ينطبق أيضًا على مؤسسات التعليم العالي وبشكل أكثر إلحاحًا عندما يتعلق الأمر بفلسطين. عند الحديث عن القيادة في التعليم العالي، يجب أن أذكر بأن القادة نوعان:
هناك قائد يقول ما يود سماعه الجمهور…

وهناك قائد يقول ما يجب أن يسمعه الجمهور…

وهذا ينطبق على القيادة في كافة المؤسسات العامة والخاصة. أتمنى على إدارة جامعة بيرزيت وكل الجامعات وعلى أساتذة الجامعات المخلصين وعلى وزير التعليم العالي ورئيس الوزراء وأمناء سر الفصائل وصولاً لمؤسسة الرئاسة أن يقولوا ما يجب أن يسمعه الطلاب وممثلو الحركات الطلابية، فمن غير المقبول أن توقف الحركات الطلابية حق التعليم. إغلاق الجامعة وترك الفراغ لكل هذه الفترة شيء مخيف ومؤذٍ ولا يخدم الطلاب بالدرجة الأولى.

قبل عدة أعوام، وتعقيباً على إضرابات طلبة جامعة بيرزيت، كتب المستشار الأكاديمي البروفسور وليد ذيب كيف كان طلبة وأساتذة جامعة بيرزيت يتعاملون مع قرارات الاحتلال بإغلاق جامعتهم، كيف كان الجميع بدون استثناء ينادي بأن التعليم هو “حق مقدس للشعب الفلسطيني” لا يحق لأحد مصادرته، كيف كانوا يجتمعون في المساجد والمنازل وحتى في العراء لتلقي العلم من أساتذتهم.
وهنا أقول لا بد من إرشاد الحركات الطلابية، هؤلاء طلبة مندفعون في مقتبل العمر ويجب التوضيح أنه ليس من حقهم أن يمارسوا حق مصادرة حق التعليم والتعلم! من المؤسف وغير المقبول أن يُسمح للطلبة تحت أي ظرف بأن يُغلقوا ويوقفوا عمل أحد أهم مؤسسات التعليم العالي في فلسطين!

كلامي هذا لا يتنافى مع حق الطلبة في الاعتراض والاحتجاج وصولاً لرفض قرارات قد تصدر بحقهم، ولكن لا يجوز أن يدفع جيل بأكمله الثمن! القائد والأهل وأصحاب الضمير والمسؤولية يدركون أن الاحتجاج حق، ولكن من غير المقبول أن يمس الاحتجاج حق الطلبة المقدس في التعليم. إذا كانت المصلحة العامة والوطنية هي المحرك الأساس لاحتجاجات الحركة الطلابية، فهناك أدوات عديدة يمكن استخدامها بدلاً من الإضراب والتخوين والجنازير.

أكتب اليوم لأن الخسائر على ما شهدناه لن تعوض، ولأن طريقة قيادة إدارة الأزمة لم تكن بالمستوى المطلوب على كل المستويات، والجميع أخفق ابتداءً من إدارة الجامعة الى الطلبة الى الدولة، أكتب لحزني على ما حصل وأملي وإيماني بضرورة أخذ العبر.
أثبتت التجارب إن الاضراب عن التعليم وسيلة قد تحقق نتائج، ولكن ترافقها خسائر فادحة تفوق كل المكاسب. إغلاق الجامعات وتوقيف التعليم يؤدي إلى نتيجة واحدة تتمثل بخسارة فلسطين لجيل متعلم مثقف مسؤول، الاضراب عن التعليم حسب نظرية اللعبة = “خاسر \ خاسر”