منذ أن تشكلت حكومة إسرائيل البديلة، وهي تطلق العنان للمستوطنين في حرب مفتوحة على المواطنين والأرض الفلسطينية، بهدف خلق حقائق أمر واقع إضافية، وبشكل عنيف وعدواني، لدرجة أن يخرج بعض المسؤولين الإسرائيليين أنفسهم، ومنهم وزير الأمن الداخلي عن حزب العمل عومر بارليف ليدين عنف المستوطنين ويصفه بالإرهاب، كذلك أشارت "بتسيلم" الى اعتداءات المستوطنين التي تتجاوز المئات شهرياً، بما يفوق حتى ما كان يفعله المستوطنون خلال حكومات اليمين بقيادة بنيامين نتنياهو منذ عام 2009، بما يثير السؤال حول السبب في ارتفاع منسوب الإرهاب الاستيطاني في عهد حكومة نفتالي بينيت، وإن كان السبب في ذلك يعود للتذكير بأن للحكومة رئيس يقرر سياستها، وهو الرئيس السابق ليشع، أم أنه يعود لقطع الطريق على أي بارقة أمل بعودة التفاوض مع الجانب الفلسطيني، فضلاً عن إنشاء أمر واقع يجعل من المستحيل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة؟!
أياً يكن السبب، فإن الحقيقة التي هي على الأرض تقول، بأن الحكومة الإسرائيلية الحالية قد فتحت كل الأبواب المحرمة أمام المستوطنين الإرهابيين، الذين لا يدعون يوماً يمر دون ممارسة العنف ضد البشر والشجر والأرض الفلسطينية، فيما الحقيقة الأخرى الأهم هي الحقيقة التي يقر بها المجتمع الدولي بأسره، ومفادها أن الاستيطان أولاً غير شرعي، وثانياً، أنه عقبة في طريق السلام، وثالثا التي تقول بها المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية، ومنها منظمة العفو الدولية بتقريرها الذي استهلكت أربع سنوات في إعداده، وكذلك بتسيلم الإسرائيلية، والتي تؤكد بأن المستوطنين لا يكتفون باحتلال الأرض وإقامة مستوطناتهم غير الشرعية، بل يواصلون برعاية الجيش وقوات الأمن وكل مؤسسات الدولة الإسرائيلية ممارسة العنف والتخريب، بما في ذلك القتل بدافع عنصري وإرهابي في وقت واحد، ضد المواطنين الفلسطينيين.
ولعل موجات الهجوم المتتابع على عدة بلدات فلسطينية، والتي قوبلت بصمود المواطنين وتصديهم، مستخدمين أدوات الإرباك الليلي والحجارة، وإشعال عجلات الكاوتشوك، والتي ردت المستوطنين على أعقابهم، خير دليل على أن إسرائيل قد أعلنت فعلاً حرب الاستيطان، بشكل مفتوح، لذا لا بد من مواجهة هذه الحرب من قبل الجانب الفلسطيني بكل ما أوتي من قوة، وهذه القوة التي نقصدها، إنما تتجاوز حالة الدفاع، وتتجاوز كذلك الاكتفاء بالتنديد والتذكير المتواصل بأن الاستيطان غير شرعي، فالاحتلال غير شرعي أيضاً، لكنه ما زال قائماً منذ 55 سنة، والقانون الدولي يجيز للشعوب المحتلة مقاومة الاحتلال بكل الوسائل والأشكال الممكنة، والاستيطان أولاً هو احتلال وغير شرعي، وثانيا بات عمليا يمثل رأس حربة الاحتلال.
فإسرائيل تعرف بأن اكتفاءها بالاحتلال العسكري يعني أن ترحل لا محالة، وأن الاحتلال العسكري عادة ما يكون عابراً، لذا فهي تزرع وتوطن المستوطنين، لتحتفظ بالأرض الفلسطينية، ولتمنع إقامة الدولة الفلسطينية في نفس الوقت، لذا ودفاعاً عن الأرض الفلسطينية وحفاظاً على الحق الفلسطيني بإقامة الدولة المستقلة، لا بد من دخول الحرب مع الاستيطان، والتفكير جديا بالانتقال من حالة الدفاع الى حالة الهجوم، ذلك أن النجاح في الدفاع، يعني إفشال المخطط الاستيطاني بتحويل الواقع الحالي لما هو أسوأ، لكن الهجوم المضاد الفلسطيني يعني مقاومة الاحتلال الاستيطاني على طريق تحرير الأرض الفلسطينية من الاحتلال، ويمكن للشعب الفلسطيني أن يجترح الأدوات والوسائل التي تحقق له هذا الهدف، حيث يمكن إطلاق التجمعات والتظاهرات لتطويق المستوطنات، ومحاولة فرض الأطواق، إضافة بالطبع للمقاطعة، فكل شجرة في مستوطنة وكل حجر وسور ومبنى استيطاني هو احتلال.
كذلك لا بد من إعداد ملفات الإرهاب الاستيطاني، لملاحقة المستوطنين وليس قادة وجنود الاحتلال وحسب، فكل من مارس القتل ضد الفلسطينيين وحرق الأطفال والنساء، وكل من قطع شجرة وارتكب جريمة او حتى جناية يجب أن يحاسب بالقانون الدولي وبغيره، ولا بد من فضح حمل المستوطنين للسلاح واستخدامه ضد الفلسطينيين وعلى كل المستويات، حتى لا يظن قاطع الطريق، أن جيش وحكومة الاحتلال يحميانه من العقاب، أو أن جرائمه ستظل تمر دون عقاب او مساءلة.
لا بد أيضا من التوضيح للرأي العام العالمي بأن المستوطنين ليسوا مدنيين، وهو مسلحون وزعران، خاصة وأنهم يشكلون عصابات إرهابية مسلحة، تنتهج الفكر الإرهابي والعنصري الذي لا يخرج على القانون الدولي وحسب، بل يستند للعنصرية دافعا وفكرا، والتطرف سبيلا لممارسة كل القهر والإرهاب الذي يقدر عليه بحق الإنسان الفلسطيني.
وفي السياق نحن نظن بأن إسرائيل التي تتجنب الدخول بجيشها في حرب مفتوحة مع الشعب الفلسطيني، خشية اندلاع انتفاضة جديدة، تظهرها كما حدث عام 1987، كجيش يواجه المدنيين، لذا فهي تسعى حاليا للدخول في حرب مع الشعب الفلسطيني عبر المستوطنين، لإظهار أن الصراع داخل الضفة الغربية هو بين سكان يهود وسكان عرب فلسطينيين، حتى ينتهي باقتسام الأرض الفلسطينية، وفرض ضم نصف الضفة تقريباً الى دولة إسرائيل، باعتبار أنها أرض المستوطنين.
بذلك فإننا نعتقد بأن استراتيجية الكفاح الوطني الفلسطيني التي تستند الى أن ملف الاستيطان هو أحد ملفات الحل النهائي، وأن تفكيكه يكون بعد التوصل للحل النهائي، مستندة الى أنه غير شرعي، لم تعد صحيحة، فكل يوم تقوم إسرائيل بتعزيز الاستيطان، حتى تحقق هدف عدم الانسحاب الى حدود الرابع من حزيران عام 1967، من جهة، ومن جهة أخرى، وفي أحسن الأحوال حصر التفاوض في إطار فكرة تبادل الأراضي، وحتى لو حدث هذا وبمعيار عادل، أي بنفس النسبة والمقدار والقيمة، فإن نتيجة ذلك ستضعف من تواصل أرض الدولة الفلسطينية، من داخلها فضلا عما يمكن أن تحاط به من قطع التواصل مع الخارج، بالحجة الأمنية، كما يحدث في غور الأردن.
وعلى ذلك فإن الشعار الناظم لمواجهة الاستيطان، منذ اليوم يجب أن يكون هو "الاستيطان _ احتلال"، ، وإطلاق كلمة شعبية جامعة، هي "اُخرجوا من أرضنا".