تَعتبر الولايات المتحدة استمرار انتهاكاتها للقانون الدولي بحق الشعوب والقانون الدولي حق حصري مكتسب لها لا يتوجب محاسبتها عليه. وهي وحلفائها من الغرب فقط  تريد أن تقرر بخصوص إنشاء دول جديدة أو الاعتراف بها بشكل احادي وتحديد عواصم الدول كما قررت إدارتها سابقا بشأن كوسوفو مثلا المدعوة الآن للانضمام لحلف الناتو  ، وبخصوص مكانة القدس من خلال الاعتراف بها كعاصمة لدولة الاحتلال، حتى ولو تعارض موقفها مع المواثيق والقوانين الدولية .  وهي التي تريد ومن خلال حلف الناتو الذي تنتشر قواعده العسكرية في أوروبا والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا باستدامة احتلال استيطاني في فلسطين وغيرها منذ نصف قرن دون إجراءات مقاطعة أو محاسبة.

 ان انتشار الناتو في أوروبا والعالم العربي  يعتبر "حق مكتسب" لواشنطن دون ان يكون ذلك حقا لغيرها الذي سيُعتبر اعتداء وانتهاكا للقانون الدولي كما اعتبر الغرب امر وجود القوات الروسية في سوريا رغم ان ذلك كان  بناء على طلب الأخيرة  وكما يحدث الآن من تواجد لقوات حفظ السلام الروسية في جمهوريتين جديدتين اعترفت بهما روسيا بما يتفق مع اسس الاعتراف وفق القانون الدولي  ، في إطار سعيها لحماية حدودها وامنها القومي وفي مواجهة سعي الغرب لضم اوكرانيا لحلف الناتو لمحاصرة روسيا وعزلها وتطبيق الهيمنة على قلب اوراسيا كما اوضحت بمقال سابق لي الأسبوع الماضي .

 تلك هي احدى سمات هيمنة الغرب التي تصاعدت بعد الحرب العالمية الثانية وبشكل اكبر في مرحلة القطبية الاحادية الواحدة للنظام العالمي ، وهي سمة الكيل بمكيالين للقانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة . 
 تدمير استقرار الدول ومناهضة حق تقرير المصير لشعوبها  مستمر ويشكل احد محددات السياسة الخارجية الأمريكية منذ عقود ، وهو ما يجري بحق فلسطين ، كوبا ، سوريا ، العراق ، فنزويلا ، إيران وغيرها أيضا من الدول الأفريقية ، وتمارس العقوبات اليوم على اكثر من أربعين دولة حول العالم .

الآن الأمور أصبحت تختلف أمام سياسة الهيمنة الأمريكية واحتكارها لاحادية النظام العالمي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، هذا النظام احادي القطب الذي تهاوى الان او يتهاوى أمام صعود قوى جديدة أصبحت تفرض معالم نظام عالمي جديد متعدد الاقطاب ، الأمر الذي سيشكل منطق سياسي واقتصادي جديد بالعالم على معظم المستويات .
وتلك القوى الصاعدة التي تجاوزت العديد من ازماتها قد تشكل بالقريب العاجل تهديدا للهيمنة الأمريكية الغربية على العالم بملاحظة استعادة المكانة والقوة العسكرية لروسيا وكذلك القوة الاقتصادية للصين ، وفي ظل خلافات بينيةحول قضايا مختلفة بين دول أوروبا بالاتحاد الأوروبي التي تحاول الخروج من دائرة السيطرة الأمريكية والبحث عن آفاق استقلالها السياسي في ظل بعض خلافاتها مع الولايات المتحدة والبحث عن استقرارها الاقتصادي في إطار التعاون مع الصين وروسيا .

هذه التطورات الجارية وبتسارع قد تفتح فرص كبيرة للخروج من الخناق الأمريكي الكبير ، ما سيؤدي إلى تحولات سياسية جديدة بالعالم وبروز أنظمة وتحالفات إقليمية جديدة ، بحيث لن تستمر برأي الأوضاع التي نشأت سابقا ومنها في منطقتنا بالشرق الأوسط. 
اعتقد ان علينا الانفتاح على ما يجري من تطورات ومتغيرات المخاض الجاري الآن بالنظام العالمي ، والاستثمار في بروز هذا النظام العالمي المتعدد الاقطاب ، حيث اننا كفلسطينين وشعوب الشرق الأوسط قد دفعنا ثمنا غاليا لقاء الاحادية القطبية التي كانت الركيزة الأساسية لاستمرار الاحتلال وتفوق إسرائيل بالمنطقة وما اَلت اليه الأوضاع نتيجة تفكك الدولة الوطنية بالعالم العربي واضعافها .
-