فعل المعسكر الغربي كل شيء من أجل إنقاذ أوكرانيا إثر الحرب التي شنتها روسيا عليها، أرسل لها مزيداً من الأسلحة الهجومية والدفاعية المتطورة، ناصرها في المحافل الدولية وعقد عدة اجتماعات مع القيادة الروسية لمنع الحرب، دفع بآلاف من الجنود والأسلحة إلى الدول المحيطة بها، أقر بالعديد من حزم العقوبات المختلفة في المجالات كافة ضد روسيا، فتح كل وسائله الإعلامية للإشادة بما يطلق عليه صمودها في وجه الآلة الهائلة للوسائل القتالية الروسية، فتح كل المنافذ الحدودية من أجل استقبال اللاجئين الأوكرانيين الهاربين من ويلات الحرب، فعل كل شيء إلاّ شيئاً واحداً لم يفعله هذا المعسكر والذي كان من الممكن إنقاذ أوكرانيا كما يقول رئيسها زيلنسكي والمتمثل في الاستجابة لطلبها الملح بالانضمام إلى حلف الناتو غير هذا كما هو معلوم لم يحدث ولن يحدث على الأقل طيلة السنوات القادمة.
ومع أنّ الرئيس بوتين طلب من المعسكر الغربي خاصة الولايات المتحدة التي تقود حلف الناتو ضمانات أمنية من ضمنها رفض انضمام أوكرانيا للحلف، يدرك تماماً أن ليس هناك فرصة حقيقية لمثل هذا الانضمام ليس استجابة للمطلب الروسي ولكن لرفض عدة دول أساسية أعضاء في الحلف انضمام أوكرانيا إليه، لذلك فإن طلب بوتين هذا كان يندرج في الغالب كشكل من أشكال المماحكة ووسيلة لإيجاد ذرائع لقيام روسيا بهذه الحرب التي تدور الآن على الأراضي الأوكرانية.
ذلك أنّ الحلف نفسه ما زال مصراً ورافضاً بشكلٍ مطلق لانضمام أوكرانيا إليه، وعلى الأقل لا يتوفر هناك إجماع من كل أعضاء الحلف لقبول عضوية أوكرانيا، فما هي القصة إذاً.
في قمة الناتو في بوخارست العام 2008، وبحضور 26 دولة من أعضاء الحلف وعدت القمة «بالسعي» لانضمام كل من جورجيا وأوكرانيا لكن كانت هناك دول أعضاء عارضت هذا الوعد بشكلٍ معلن وعلى رأسها كل من فرنسا وألمانيا، وللمفارقة وللتذكير فقط فإن فرنسا وألمانيا تعارضان ضم أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، أكثر من ذلك فإن ممثل الولايات المتحدة وسفيرها لدى حلف الناتو ألكسندر فولشبو استبعد مؤخراً إقدام الناتو على توسيعه لسنوات عديدة قادمة، أي أنه ليس هناك من خطة لدى الحلف في المستقبل المنظور لضم أعضاء جدد إليه وهذا ينطبق ويقصد به في الغالب مسألة انضمام أوكرانيا، وفي تفسير محتمل لتصريح السفير الأميركي أنّ أوكرانيا دولة هامشية في إطار المصالح الأميركية بما في ذلك ما يتعلق بأمنها القومي.
وللتذكير فإن الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما رفض تزويد أوكرانيا بأسلحة طلبتها بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم إليها العام 2014، كما رفض نقاش موضوع إرسال قوات أميركية إليها، باعتبار أنّ ذلك يتعارض مع رؤية أميركا لمصالحها.
وتعقّد أمر انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو بعد أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم إليها العام 2014، عندما لم يتمكّن المعسكر الغربي من منع ذلك، وحقيقة أنّ أوكرانيا لم تعد قادرة على السيطرة على أراضيها وسكانها ومواطنيها خاصة في شبه جزيرة القرم أو في شرقها وجنوبها مع تمرّد الناطقين بالروسية والتوصل إلى اتفاق مينسك باعتباره اعترافاً ضمنياً بانفصال الجمهوريتين الشعبيتين في دونباس، ما يمنع من الناحية النظرية على الأقل توفّر إجماع شعبي على انضمام أوكرانيا إلى الحلف، يضاف إلى ذلك أنّ كييف لم تنجح في توفير متطلبات الأمن والاقتصاد والمفاهيم الديمقراطية التي تؤهلها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي فكيف لها أن توفّر شروط الانضمام إلى حلف الناتو.
من الناحية العملية، فإنّ انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو يتطلب استعدادات عسكرية أمنية من قبل المعسكر الغربي يعتبرها الحلف غير واقعية بعد أن ضاعف قواته لدى الدول الأعضاء المتاخمة لروسيا ثلاثة مرات للاستجابة لمتطلبات توازن القوة بتكلفة سنوية تصل إلى 6 مليارات دولار لردع أي حرب محتملة مع روسيا.
وانضمام أوكرانيا للحلف سيزيد من متطلبات الدفاع عن أكبر دولة أوروبية من حيث المساحة حيث إن أوكرانيا تعتبر أكبر مساحة من فرنسا التي تعتبر الدولة الأكبر في غرب أوروبا.
والحلف في وضعه الراهن وفي ظل ميزان القوى مع روسيا لا يستطيع توفير هذه المتطلبات.
وحسب تقرير أعدته وكالة رويترز فإنّ الناتو لا يمتلك أي قدرة تقريباً على الدفاع عن أوكرانيا، ذلك أنه بإمكان روسيا تعبئة جيشها بسرعة لافتة وبتعداد يزيد على 150 ألف جندي في حال وقوع حرب وهو ما يفتقده حلف الناتو تعداداً ومرونة وقدرة على تلبية التطورات السريعة.