يشكو وزير الخارجية الدكتور رياض المالكي من أن الفلسطينيين يتعرضون لحرب شرسة في مجلس حقوق الإنسان تشنها الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الدول الأوروبية، وكأنه يكتشف جديداً. من المهم أن يكشف الوزير الدول الأوروبية التي تصطف إلى جانب الولايات المتحدة وإسرائيل، لأن مثل هذه الشكوى، ستكشف، أيضاً، طبيعة الدور الذي يلعبه الاتحاد الأوروبي، الذي يلتصق أكثر فأكثر مع الدور الأميركي.
لفترة طويلة جرى التمييز بين المواقف والسياسات الأوروبية إزاء مجريات الصراع على الأرض الفلسطينية، عن المواقف والسياسات الأميركية حيث بدت أوروبا بالعموم، وبعض دولها الوازنة، أكثر تفهماً للحقوق الفلسطينية، غير أن الزمن يكشف أن المسألة لا تعدو عن كونها تبادلاً أو توزيعاً للأدوار.
في العموم وقبل اندلاع الصراع الدامي بين روسيا وأوكرانيا، ترددت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، في تنفيذ ما تعهدت به خلال الحملة الانتخابية، وبعد فوزه بقليل، وأبقت من حيث الجوهر على السياسات التي مارستها الإدارة أيام دونالد ترامب. أما أوروبا الموحدة، فقد ظلت مواقفها وسياساتها محافظة أو مترددة، وضعيفة في انتظار ما تقوم به الإدارة الأميركية، واكتفت أوروبا بمواقف كلامية لا تزيد على الدعوة لضبط النفس وإدانة الاستيطان من دون أن تفعل شيئاً.
وللحق، أيضاً، فإن الموقف ذاته، ينسحب على روسيا والصين، حيث يفترق الموقف النظري عن الممارسة العملية، ويقف عند حدود الاستمرار في تبني رؤية الدولتين، وبموازاة ذلك، توسيع دائرة التعاون الأمني والتجاري والاقتصادي مع دولة الاحتلال.
أوروبا كانت معروفة بأنها المموّل الأساسي للسلطة والمجتمع الفلسطيني، لكنها منذ بعض الوقت تتوقف عن تقديم الدعم، بذرائع مختلفة، وقد أكثرت من الوعود بدعم الموازنة العامة للسلطة لكنها تحجم عن ذلك. آخر الذرائع، التي يسوقها الاتحاد الأوروبي، أن السلطة لم تبادر إلى تغيير المناهج التعليمية الفلسطينية، التي تحرض على العنف وما يسمونه الارهاب.
المطلوب بحسب الرؤية الأوروبية هو أن يقايض الفلسطينيون، انتزاع النزعة القومية التحررية من المناهج الفلسطينية مقابل المال. في الاتجاه المعاكس تغلق أوروبا عيونها وتصم آذانها عن المناهج التربوية الإسرائيلية، التي تضج بالتحريض على العنف والارهاب والعنصرية.
الممارسات الإسرائيلية العنصرية والارهابية، تفقأ العيون، وتستفز الضمائر، لكنها لا تترك أثراً عند مدعي استقلال الشعوب، وتحررها واستقلالها.
غير أن الشروط الأوروبية لا تقف عند حدود طلب تغيير المناهج الفلسطينية فلقد أضيف إلى ذلك شرط  آخر، لا تعلنه أوروبا أو غيرها، مرتبط بالموقف الفلسطيني من الصراع الدموي الذي يدور على حدودها الشرقية.
خلال الأيام العشرة التي انقضت على اندلاع الصراع لاحظنا أن المستشار الألماني شولتز، لم يجد الوقت للقاء بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، بالرغم من أنه لم يكن يبعد عن (المقاطعة) أقلّ من عشرين كيلومتراً.
ولاحظنا، أيضاً، أن رئيس الحكومة الفرنسية، أطلق تصريحاً يخرج عن السياق العام المعروف للسياسة الفرنسية، حين قال: «إن القدس ستظل العاصمة الأبدية لإسرائيل!»؟
وإذا كان الصراع الدائر على المستوى الدولي، لا يغير من طبيعة السياسة الفلسطينية التي تركز على حقوق الشعب الفلسطيني، ولا تقفل نافذة ولو كانت صغيرة، أمام أي موقف أو جهد لصالح تحقيق هذه الحقوق فإن الفلسطينيين لا ناقةَ لهم ولا جمَل من الصراع المحتدم.
النظام الدولي ثنائي القطبية حين كان الاتحاد السوفياتي أحد قطبيه لم ينصف الفلسطينيين، ولم يحقق لهم شيئاً يذكر، أما النظام الدولي أُحادي القطبية فقد ألحق أضراراً جسيمة بحقوق الشعب الفلسطيني.
ثمة شبه إجماع واعترافات من قبل عديد المسؤولين الأوروبيين والأميركيين وغيرهم من أن الصراع الدائر هذه الايام ويطغى على المشهد الدولي، يؤشر على مرحلة جديدة، وعلى تغييرٍ جذريّ وجوهري في النظام الدولي، والقواعد التي أرساها المجتمع الدولي بعد الحرب العالمية الثانية. إذاً فليذهب هذا النظام الدولي إلى الجحيم، مهما كانت النتائج المترتبة على حالة الصراع الجاري.
الأمم المتحدة التي تجسد القواعد التي تم الاتفاق عليها وفرضها، بعد الحرب العالمية الثانية، هي أضعف مكوّن من مكوّنات الفعل السياسي الدولي. عنوانها الحفاظ على الأمن والسلام الدولييين لكنها كانت أقرب إلى المؤسسة الاجتماعية، التي تسدّ بعض الثغرات التي تنتج عن الحروب والصراعات التي أدارتها بشكل رئيسي الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون.
هل منعت الأمم المتحدة، الحروب التي شنتها الولايات المتحدة على فيتنام وأفغانستان والعراق، والحصار الذي ضربته على كوبا وغيرها، والانقلابات التي أدارتها الولايات المتحدة في أكثر من بلد؟
تتباكى الأمم المتحدة والولايات المتحدة وحلفاؤها الأوربيون على القانون الدولي، وحقوق الإنسان المهدورة في أوكرانيا، وتتجاهل سجلها الطافح بانتهاك وتجاهل القانون الدولي والقرارات الدولية حتى التي توافق عليها في فلسطين وغيرها من الشعوب التي تناضل من أجل حقوقها واستقلالها. لن يخجل هؤلاء من مواصلة سياسة الكيل بمكيالين، التي لطالما مارستها، وهي تمارسها اليوم إزاء ما يتعلق بالمقارنة بين الشعب الفلسطيني والشعب الأوكراني. وفي الجوهر، فإن أميركا وحلفاءها الغربيين يمارسون تمييزاً عنصرياً واضحاً وفاضحاً، أخذ النقاش بشأنه يتسع في وسائل التواصل الاجتماعي، سواء فيما يتعلق بالسياسة، أو الهجرة، أو الدعم، أو إزاء كل ما يتعلق بالحقوق والقانون الدولي.