وُلدت الحركة الصهيونية، من رحم الاستعمار الأوروبي التقليدي القديم، حليفة له، وامتداداً لافعاله، وُلدت حركة سياسية استعمارية، عملت على انشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، أسوة بالمشاريع الأوروبية في الجزائر وجنوب افريقيا وروديسيا وكندا واستراليا، والعديد من بلدان أميركا اللاتينية، والجزر المنتشرة في القارات.

استغلت الصهيونية مأساة اليهود في اوروبا والعداء الذي وقع ضدهم، لأسباب عديدة على يد القيصرية والنازية والفاشية، استغلت تطلعاتهم نحو الهروب والانتقال، فعملت على جلبهم إلى فلسطين، بعضهم برضاه، والبعض الآخر مرغماً لا خيار له، وها هي مجدداً تعمل على توظيف الاجتياح الروسي إلى أوكرانيا، بإتجاه جلب يهود أوكرانيا إلى فلسطين، تعزيزاً لاستيطانها، وتوفير المزيد من الغطاء السكاني والعددي لمشروعها الاستعماري التوسعي الإحلالي، على حساب الشعب العربي الفلسطيني و أرضه وحقوقه.

دفعنا كعرب ،تداعيات الحرب الباردة ونتائجها الوخيمة وتوجهات السياسة الأميركية، باحتلال العراق، وتدمير سوريا وليبيا واليمن، لمصلحة المستعمرة الإسرائيلية وتعزيز قوتها وتغيير قرار الأمم المتحدة الذي وصف الصهيونية على أنها «شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، الابرتهايد».

التطور الإيجابي في فلسطين سار باتجاهين:

الأول نحو دعم النضال الوطني الديمقراطي الفلسطيني، وتقدير تضحيات الفلسطينيين وبسالتهم وصمودهم الذي فرض نفسه على المشهد السياسي العالمي، وانعكاس ذلك على مجمل قرارات الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية.

اما الثاني فهو بروز التطرف المنبوذ والعنجهية والسلوك العنصري الإسرائيلي الذي بات عارياً، وايقظ قطاعات واسعة من ضمائر المجتمع الدولي، نحو فهم التناقض بين المشروعين: بين المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني، وبين المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي.

عنصرية المستعمرة الإسرائيلية، بانت في تعاملها مع الاوكرانيين الهاربين نحو ملاذ آمن، حيث منعت غير اليهود من دخول فلسطين، واعادتهم من حيث أتوا، بينما سمحت لليهود بدخول فلسطين، وهذا استفزاز فاقع لا يُحتمل، يُضيف جديداً لماهية سلوك المستعمرة ومضمون سياساتها، في التمييز ضد كل ما هو غير يهودي.

نتعاطف مع شعب أوكرانيا لسببين : أولهما لأن رئيسه فلاديمير زلنيسكي يهودي صهيوني ورط شعبه في معركة خدمة لمصالح الولايات المتحدة وضد مصالح جارته روسيا، وثانيهما لأن شعب أوكرانيا هو الذي سيدفع ثمن هذه المغامرات المدمرة.

لأننا عانينا من الاجتياحات والاحتلالات والغزو، ولازلنا، نخشى من تورط روسي في مستنقع الاستنزاف، وأن نتائجها ستكون تكراراً لهزيمة أفغانستان، وتداعيات الحرب الباردة، سندفع ثمنها في فلسطين لمصلحة تنامي قوة المستعمرة سياسياً، وستكون مع الولايات المتحدة الكفة الراجحة، ويكون الحل الإسرائيلي هو السائد، بديلاً عن قرارات الأمم المتحدة والحل الفلسطيني، مما يتطلب المزيد من الوقت، والمزيد من التضحيات الفلسطينية في مواجهة تفوق المستعمرة وطغيانها على كامل خارطة فلسطين.

انتصار روسيا هزيمة للمستعمرة، وهزيمة روسيا انتصار للمعسكر الأميركي الإسرائيلي.