سأظل مسكوناً بالمسرحية العالمية المشهورة "بيت الدُمية"، للكاتب النرويجي، هنريك إبسن، المتوفى 1906م، وهي الرواية التي مُثلت في معظم مسارح العالم، في القرن العشرين، وهي تصور المرأة الأنثى المحبوبة، في بيت الزوج الذكر المحب، كيف تحولتْ المرأةُ بعد الزواج من العشق والحب والشغف، إلى حالة حُب الدُمية، وليس حب التبادل والشراكة، فقد تحولت الزوجةُ بمرور الأيام عند زوجها إلى لعبةٍ مسلية، ترقص له، تغني، ما أفقدها شغفها وحبها الروحي لزوجها بعد تحولها إلى لُعبة مسلية، فاتخذت قرارها بالانفصال لتعيش بقية حياتها، كائناً حياً بشرياً ذا عواطفَ وأحاسيسَ وخيال، وليس تمثالَ دُميةٍ مسلياً!
لم يستقصِ صاحب المسرحية، منزلة النساء في مجتمعاتٍ أخرى، تُعتبر فيها النساءُ نجاسةً خُلقن فقط للإنجاب، ولخدمة الرجال، فالمصلِي الذكرُ يشكرُ ربَّهُ في صلاته اليومية لأنه لم يُخلق امرأة، بل خُلق رجلاً، كما يفعل الحارديم المتزمتون اليهود في إسرائيل!
ولم يقرأ المبدع، إبسن، كتاب، نصف السماء، لمؤلفَيهِ الزوجين الصحافيين نيكولاس كريستوف وشيرلي وادن عام 2009م، عن النساء اللائي يُبعن في أسواق الذكور في جنوب شرق آسيا، ويُتاجر بهن كسلعة جنسية، تجلب المال لهم، حتى أنه أشار إلى أن عدد النساء المقتولات في القرن العشرين، أكثر من كل القتلى في الحروب في القرن نفسه!
لكل رجلٍ في مجتمعات السطوة الذكورية ثلاثُ نساءٍ، واحدةٌ يتمناها معشوقة في خيالهِ من الممثلات الجميلات، وثانيةٌ يصادقها ويحبها ويبثها لواعج نفسه، وثالثةٌ يتزوجها لتنجب له الأبناء وتخدمه في شيخوخته!
قالوا: إن الرجل في المجتمع الذكوري، حين يختار زوجته، يفضلُ رأيَ الآخرين فيها، ممن يحيطون به، يفضله على رأيه وحبه الشخصي، فهو يتزوج لإرضاء المحيط، وليس لقناعته بالحب والارتباط الأسري!
ما تزال حالة النساء في عيد النساء كما هي لم تتغير، بل ساءت مع التقدم الحضاري الجديد عند كثيرين، والذي كان مفروضاً أن يُحرر معظم النساء من القيود التقليدية، فقد أصبحت صورتُها في ألفيّتنا الثالثة بالضبط صورةَ الدمية واللعبة المسلية!
في أكثر المجتمعات الذكورية بقيت المرأة حتى اليوم تستخدم كواجهة للأسرة والقبيلة، تحمل وزرَ وعبء القبيلة الأكبر، وهو الشرف، فقد اختُصر الشرفُ والعزة والمنعة والقوة في مجتمعات الذكور في جسد المرأة فقط، لذا فإن معظم النساء في مجتمع الذكور يعشنَ في عبوديةٍ ورقٍ مؤلم، حتى أن بعض المجتمعات لا تُعاقب قاتلي النساء ممن يُتهمنَ بالمس بشرف الأسرة والقبيلة، ولا تعتبر هذا القتلَ جريمةً تستحق العقوبة مثل جرائم القتل الأخرى، والأبشع أن بعض المجتمعات تعتبر هذا القتل مفخرة من مفاخر الأسرة والقبيلة!
صحيح أن كثيراً من النساء نجحن في اختراقِ تقاليد المجتمعات الذكورية بإصرارهن وتميزهن، وقدراتهن ونبوغهن، غير أن ذلك لم ينجح حتى اليوم في تحرير مبدعات كثيرات من ربقة القيود الذكورية، فما تزال المرأة كما ورد في كتاب الفيلسوفة الفرنسية، سيمون دي بفوار جنساً ثانياً، لم ترقَ بعد لتصبح مساوية للجنس الأول، الذكر!
وما أكثر المبدعات ممن تمكنَّ بجهودٍ كبيرة من تخطي العقبات، ووصلن إلى المراتب العلى، فتحولن من أعباء ثقيلة على أسرهن إلى رافعات للأسرة، ومصدر فخرٍ واعتزاز!
كثيرات أيضا نجحن في تغيير صورتهن من المرأة الدمية، إلى المرأة الشريك، التي تقتسم المسؤوليات مناصفة مع الزوج والأبناء، تمكنَّ من النجاح بتفوق، هؤلاء هنَّ أروع معلمات للجيل الجديد، وهن أيضاً كثيرات في مجتمعنا الفلسطيني، لأن مبادئ نضالنا الفلسطيني أُسست على مبدأ الشراكة بين الرجل والمرأة!