يتعرض الفلسطينيون لضغوطات دبلوماسية لاتخاذ موقف من الأزمة الروسية الأوكرانية، ويهدف مقال اليوم لتحليل أبعاد صورة الموقف الفلسطيني من جوانب سياسية ودبلوماسية ووطنية مختلفة. 
هناك نسبة لا بأس بها من الفلسطينيين يتعاطفون علنًا مع شعب أوكرانيا خلال الأزمة الروسية/ الأوكرانية، وهذا أمر طبيعي لشعب يعيش تحت الاحتلال الاسرائيلي ويعاني من اللجوء والابارتهايد والاعتداءات والاعتقالات المتكررة والاعدامات الميدانية، الشعب الفلسطيني هو الأقدر من بين شعوب الارض للتعاطف مع أي شعب قد يعاني من القصف والقتل والتشريد والدمار. في سياق المشاعر الشعبية المتوازية بين الشعبين الفلسطيني والاوكراني، ترى النخبة السياسية والمثقفون الفلسطينيون أن على الفلسطينيين تبني موقف حكيم يدعم مبادئ القانون الدولي وحقوق الانسان بما يتضمنه ذلك من الدعوة لحل النزاعات سلمياً من خلال الحوار وليس بالقوة العسكرية، والتأكيد على حق الشعوب في تقرير المصير كمبدأ لا يمكن المساومة عليه واحترام تطبيق وتنفيذ القانون الدولي بشكل قاطع وعادل على جميع الأنظمة والحكومات دون تمييز.
القيادة الفلسطينية لا تزال صامتة تجاه الموقف على المستوى الدبلوماسي. فبالرغم من التعاطف الشعبي، يدرك الفلسطينيون جيدًا أن الدبلوماسية الأوكرانية الرسمية تساند سياسات الاحتلال في تهويد القدس وفي حروبه المتكررة ضد الشعب الفلسطيني وآخرها العدوان على غزة، الموضوع ليس شخصيا مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي اليهودي، فمن وجهة نظر فلسطينية سياسية ووطنية رسمية وشعبية، لا نستطيع إنكار حقيقة أن الموقف الرسمي العلني لأوكرانيا هو تأييد الاعتراف الأمريكي بالقدس كعاصمة موحدة لليهود ولإسرائيل، وكذلك وقفت أوكرانيا داعمة مع “عملية حارس الجدران” الإسرائيلية في غزة في مايو 2021 ولم يخرج عن اوكرانيا اي تضامن رسمي ولا دبلوماسي مع معاناة الشعب الفلسطيني تحت القصف والعدوان العسكري الاسرائيلي. 
من أهم القواعد الدبلوماسية حسب اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية 1961 هو مبدأ المعاملة بالمثل Reciprocity. وعليه فإن فلسطين تمارس أقصى درجات الضبط النفسي والدبلوماسية في تطبيقها لمبدأ المعاملة بالمثل في هذا الجانب. لم نرَ العالم يضغط على اوكرانيا او غيرها من الدول لاتخاذ موقف متضامن مع الفلسطينيين العام الماضي. بينما ينهال الضغط على الفلسطينيين اليوم لضرورة اعلان موقف صريح من الأزمة. 
بالرغم من وجود نسبة من الفلسطينيين الذين يرحبون بغزو الجيش الروسي لأوكرانيا على أمل أن يؤدي ذلك إلى نظام عالمي جديد تتراجع فيه القوة والهيمنة الأمريكية. هؤلاء يرون ان الصراع يكمن بين روسيا من جهة وامريكا من جهة أخرى، وعليه يقفون مع روسيا ضد حليف إسرائيل القوي، بحسب منطقهم هذه الطريق لإضعاف إسرائيل في المستقبل!
القيادة الفلسطينية تتوخى الحذر بشكل خاص، يريد الفلسطينيون تجنب الاختلاف او إثارة المشاكل مع إدارة بايدن من خلال عدم إدانة روسيا، الأمر الذي قد يُعرض المصالح الفلسطينية مع امريكا للخطر؛ مثل إعادة فتح مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن واعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية. من ناحية أخرى، لمنظمة التحرير الفلسطينية وللرئيس الفلسطيني محمود عباس علاقات طويلة الأمد مع موسكو منذ اكثر من ٥ عقود. تتمتع السلطة الفلسطينية بعلاقات مع موسكو أوثق منها مع واشنطن. وهذا ما بات جلياً في اتصالات الرئيس عباس المتكررة والمباشرة مع بوتين، اضافة لعلاقة حسين الشيخ الوثيقة مع القيادة الروسية ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونائبه. 
رغم العلاقة الروسية الفلسطينية التاريخية، الا أن السلطة الفلسطينية تلتزم الصمت؛ إنها بحاجة إلى روسيا، لكنها في نفس الوقت لا تريد مشاكل مع أوكرانيا او بمعنى آخر أمريكا! تحتاج روسيا إلى دفع اللجنة الرباعية للشرق الأوسط (الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا) لعقد مؤتمر دولي من شأنه إجبار إسرائيل على عقد مؤتمر دولي للسلام على الرغم من معارضة إسرائيل للانخراط في مفاوضات سلمية من القيادة الفلسطينية ورفض رئيس الوزراء الاسرائيلي الحديث عن اي افق للمحادثات او الدولة الفلسطينية.
إن دور الولايات المتحدة محوري بالنسبة للفلسطينيين منذ عقود اي قبل اتفاقيات أوسلو، أصبحت الادارة الامريكية تقليديًا الوسيط بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. من المصلحة الفلسطينية التخلص من النظام السياسي الدولي أحادي القطبية المنحاز لاسرائيل بظهور قوة عالمية أخرى. قد يعتقد المتتبع للمشهد الرسمي ان القيادة الفلسطينية اكثر تعاطفاً مع روسيا من تعاطفها مع الولايات المتحدة الامريكية، الحليف الاقرب لاسرائيل، لقد لعبت روسيا دور الوسيط بين الفصائل الفلسطينية المختلفة، بل إنها استضافت حوارًا بين كل تلك الفصائل في موسكو بهدف تحقيق الوحدة الوطنية ويحضر رؤساء الفصائل الفلسطينية سنويا اجتماعات دبلوماسية في وزارة الخارجية الروسية. 
من مصلحة الفلسطيني دبلوماسياً الاستمرار بممارسة أقصى درجات ضبط النفس من خلال الصمت وعدم اتخاذ موقف رسمي سياسي. أما في مواجهة الضغوط لاتخاذ موقف، فمن المثير أن أكثر الدول تعنتاً وضغطاً لم تعترف أصلاً بالدولة الفلسطينية والان تمارس الدبلوماسية القسرية ضد الفلسطينيين وتريد موقفا دبلوماسيا، في حين أنها تتنكر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وسيادته واستقلاله وحريته ولا تطبق سياسة العقوبات والقانون الدولي والمعاملة بالمثل كما هو حال تعاملها في الأزمة الأوكرانية. على الفلسطينيين تجنب إثارة حفيظة أي من روسيا أو الولايات المتحدة. في النهاية، القاعدة الأساسية في الدبلوماسية ان أصحاب اليوم قد يكونوا أعداء الغد والعكس صحيح، أما مصالح الدول والشعوب فهي ما تحكم علاقاتها الدولية بعيداً عن شعارات القانون الدولي وحقوق الانسان وحق تقرير المصير، وهذا ما نشهده جلياً في المعايير المزدوجة التي يعاملنا بها المجتمع الدولي، وقد ظهرت جلية خلال الأزمة الأوكرانية الروسية.
الموقف الذي لا خلاف عليه هو ان الشعب الفلسطيني يتعاطف مع كل شعوب العالم التي تعاني عنف وارهاب الدولة المنظم وينادي بضرورة تفعيل تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة مجرمي الحرب ضد الانسانية بالاحتكام للقانون الدولي بشكل عادل لا يميز في التطبيق حسب لون الشعب المضطهد أو دينه، ايديولوجيته أو هويته! 

– دلال عريقات: أستاذة الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الأمريكية.