محددات علاقاتنا الدولية تحكمها مصالحنا الوطنية ومعاير الالتزام بميثاق الأمم المتحدة وما نص منها تحديدا بالعهد الدولي لحقوق الإنسان وخاصة حق تقرير المصير وبالقانون الدولي والقرارات الاممية ذات الصلة بقضيتنا وغيرها من قضايا الشعوب ، فبقدر اقتراب اي دولة من تلك الالتزامات ، فإننا نقترب منها ، رغم حرصنا على علاقات جيدة مع الجميع تقوم على أسس الحق والعدالة وكرامتنا الوطنية .
برأي أن العلاقات لا تبنى فقط على المصالح المشتركة دون النظر إلى القيم والمبادئ التي تحرك السياسات الخارجية . فنحن لا نملك من مقدرات المصالح بالمفهوم الاقتصادي أو العسكري ما يحدد شكل مصالحنا مع أي دولة ، حيث لا نملك قاعدة الإنتاج الفائض للتصدير أو حتى مقومات التبادل التجاري الايجابي بقطاعات مختلفة مثل الزراعة والغاز والسياحة أو الصناعات الثقيلة أو التكنولوجيا العالية أو الصناعات المختلفة ، لأننا لا نستطيع إطلاق آليات التنمية والتطوير طالما هنالك احتلال يقف عائقا أمام تحقيق ذلك ويعمل جاهدا على ابقاء اقتصادنا تابعا وملحقا ، رغم محاولاتنا بالانفكاك .
فما زلنا في مرحلة التحرر الوطني ، نملك مقومات قضية وطنية عادلة لشعب ما زال يخضع لابشع انواع الاستعمار الكولنيالي وارهاب الدولة المحتلة ، نملك تضامن الشعوب بمعظمها معنا والمئات من القرارات الدولية والادانات بالمنظمات الاممية لسياسة دولة الاحتلال ومواقف دول مختلفة لا تمتهن النفاق وازدواجية المعايير .
إلى جانبنا تقف القوى الديمقراطية الحقيقية وقوى التقدم والعدالة والسلام ومناهضة العنصرية بالعالم ، ويقف القانون الدولي الى جانب حقوقنا الوطنية السياسية الغير قابلة للتصرف ، والى جانب هذا القانون نقف نحن متمسكين بنصوصة لأننا نرى في أنفسنا جزء من المجتمع الدولي علينا ما على غيرنا ولنا ما لغيرنا دون معايير مزدوجة أو نفاق سياسي .
أمام ذلك ، لدى العديد من دول العالم علاقات جيدة مع اسرائيل ، منها ما يقوم على أساس المصالح والتماهي الايدولوجي القائم على الاستعمار واضطهاد الشعوب ، ومنها ما يقوم على أساس الخوف من الترهيب الذي تمارسه الحركة الصهيونية والدوائر المالية اليهودية حول العالم لتطويع مواقف الدول أو ابتزازها من خلال اتساع تأثير الحركة الصهيونية ودور منظمات ما يسمى باليمين الديني الانجيلي التي تتفق مع الرواية الدينية اليهودية المزعومة و تشكل احد أسس الرواية التاريخية الصهيونية التي أصبحت تحظى بانتشار وتأييد قي عدد من الأوساط المؤثرة طبعا بالولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية التي يحكمها اليمين الشعبوي واللاتينية كما بالبرازيل مثلا بالإضافة إلى موضوع استهلاك ما يسمى بفزاعة الهلوكست التي أصبحت ترعب بعض الأوروبيين بعد محاولات نجاح ربطها مع ما يسمى بمعاداة السامية ، وقيام بعض الدول الأوروبية باعتماد تشريعها والقادم اسؤا بالخصوص خاصة المتعلق منها بما يسمى بالمبادئ التطبيقية للوثيقة وامكان اعتمادها في عدد من الدول كتشريع يحاسب وفقه كل من ينتقد سياسات إسرائيل . ومن زاوية أخرى ما تملكه هذه الدولة الاستعمارية من يد طولى للتدخل في شأن الدول أو من التهديد العسكري لخدمة سياسات الولايات المتحدة والناتو الذين ارتكبوا جرائم طويلة بحق شعوب ودول ، وفق اساس وجود دولة اسرائيل كمشروع استيطاني توسعي على حساب شعبنا والشعوب الأخرى ومقدراتها من خلال تحالفات اقليمية عسكرية واقتصادية مستحدثة .
وهذا ما ينعكس الان باتباع عدد من الدول مواقف تتعلق بازدواجية المعايير أو النفاق السياسي رغم تاييدها اللفظي المعلن لمبداء حل الدولتين ، الأمر إلذي يبقى ناقصا دون الاعتراف الصريح بدولة فلسطين والحديث بوضوح عن الحدود سندا لخط الرابع من حزيران ٦٧ والحديث عن القدس الشرقية كعاصمة لدولتنا ، وهو ما بدأنا نلاحظ الحديث عنه دون وضوح بالعديد من تصريحات بعض المسؤولين الاوروبين ، في وقت ما زال الاوروبين غير قادرين على الخروج من تبعية السياسات الأمريكية رغم بعض الخلافات الناشئة بينهم وبشكل خاص اليوم نتيجة التضرر من سياسة العقوبات التي اعلنتها أمريكيا بحق الروس ، وبداية يقظة أوروبية ولو محدودة تجاه عدم رغبتهم بدفع فواتير سياسات الناتو وتحويل أوروبا مرة أخرى لساحة حرب من خلال سياسات الناتو بالتدخل ونشر الأسلحة النووية والبيولوحية فيها
والسؤال هنا ، ماذا نستفيد نحن من تلك العلاقات أو تطويرها بين تلك الدول وإسرائيل، ما لم تستغلها تلك الدول بالضغط الجاد على حكومة الاحتلال أو أن تمارس بحقها العقوبات بصفتها دولة تمييز عنصري ونظام جرائم حرب ينتهك يوميا ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي ويمارس كل أشكال التطهير العرقي والابرتهايد ضد شعبنا ليس فقط بالاراضي المحتلة عام ٦٧ بل في كل ارض فلسطين التاريخية ، طالما هذه الدول تعلن التزامها بقواعد القانون الدولي ومواثيقها الناشئة.
والسؤال الآخر الذي يبرز هنا ، ماذا يعني تطوير أشكال التعاون وخاصة في المجال العسكري مع دولة الاحتلال من خلال المناورات المشتركة التي يرعاها حلف الناتو في معظم الحالات ، وهل ممكن لتلك الدول الانفكاك من التزاماتها أمام هذا الحلف ودوره السياسي في إدامة الاحتلال الإسرائيلي من خلال ازدواجية معايره ونفاقه السياسي بما له علاقة بقضية شعبنا ، أو كما نراه اليوم يدافع عن أخلاقيات زائفة في مناطق أخرى بالعالم ليس لها علاقة بمبادئ السلم والأمن الدوليين في حقيقة الأمر ولا بالدفاع عن حقوق الشعوب ، بل بهدف استدامة الهيمنة الأمريكية على النظام العالمي ومحاولاتها في حصار وتطويع دول أخرى أو في مناهضة حضارة الشرق ذات التاريخ الطويل .
الأهم بالنسبة لتلك الدول هو ما يجمعها من ثقافة التماهي بالحضارة الغربية مع دولة الاحتلال والبحث عن مصالحهم المشتركة وبما لا يتعارض مع سياسات الولايات المتحدة الخارجية واولوياتها بالمنطقة وخاصة في مجال الأمن والطاقة ومحاولاتها لاقامة التحالفات الإقليمية ورعاية اتفاقيات التطبيع التي تخدم رؤيتها السياسية والاقتصادية بما تسعى له للابقاء على هيمنتها أمام التحولات المتسارعة والجارية بالعالم نحو نظام متعدد الاقطاب ، ولخدمة مسعاها للابقاء على تفوق دولة الاحتلال ، ودون عمل جاد وفعلي للمساهمة في مسار عملية سلام جادة تفضي إلى إنهاء الاحتلال وتحقيق الاستقلال الوطني لشعبنا .
أن الشعوب التي عانت من أشكال الاستعمار أو الاحتلال وتحديدا المرتبطة بجرائم النظام النازي بأوروبا أو من الديكتاتورية وعواقب وتداعيات سياسة التوسع والتدخل لحكامها في شوؤن دول أخرى ، تقف اليوم إلى جانب كفاحنا العادل ضد استمرار الاحتلال الاستيطاني الذي يعتبر احد اهم عوامل عدم الاستقرار في منطقتنا ، وتقف ضد أشكال التعاون بين حكوماتها وحكومة الاحتلال الإسرائيلي بصورة واضحة وباشكال مختلفة، باعتبار أن إسرائيل هي دولة مارقة ترتكب الجرائم وفق تعريفات قواعد القانون الدولي ، وأن التعاون معها وفق تلك القواعد نفسها خاصة بالشان العسكري يُعتبر جريمة بحكم القانون الدولي والعديد من المواثيق الدولية .
لذلك فمن الضرورة بمكان تطوير علاقاتنا مع هذه الشعوب وقواها الديمقراطية بما فيها بأوروبا والولايات المتحدة وتحديدا باوساط الحزب الديمقراطي ومع القوى اليهودية المناهضة للصهيونية التي تناهض سياسات حكومات بلادها بشأن العلاقات مع اسرائيل ، والارتقاء بمستوى التضامن الدولي معها بالاتجاهين بما يخدم مصالح كل الشعوب ومنها شعبنا الفلسطيني ، فالحكومات متغيرة وتبقى الشعوب وقواها الحية والرأي العام فيها صمام الأمان بالضغط على حكوماتها في محاولة للجم تعاونها المطلق مع مفاهيم وسياسات الاحتلال والابرتهايد .
ان العالم لن يبقى كما كان خلال العقود الماضية لان التاريخ السياسي لا يقف عند مرحلة معينة كما الجغرافيا السياسية، فالمتغيرات لن تكون بعيدة وسيكون المستقبل دائما مع الحق وستنتصر الشعوب لحقوقها في مواجهة استغلال مستعبديها من أصحاب اثارة بؤر النزاعات والحروب مالكي مجمعات الصناعات العسكرية وقطاعات الطاقة والغاز والأوراق المالية الاحتكارية بالغرب ، ولن تتمكن دولة الاحتلال من الاستمرار في تقديم نفسها أمام العالم كضحية وواحة للديمقراطية في واقع ما نتجه له من نظام عالمي متعدد الاقطاب .