مرة أخرى، نتابع ونعيش حالة انفلات الأسعار في الأسبوع الأول من شهر رمضان، وانطلقت ماكينة إعلامية تركز فقط على الدواجن وأسعارها وتركت بقية السلع في السوق التي شهدت ارتفاعا، وترافق هذا مع حالة صمت مطبق من قبل وزارة الزراعة دون أي تصريح يطمئن الناس ويوضح الخطة التي عملت عليها الوزارة (إن وجدت) لتلافي هذه الارتفاعات في الدواجن، أو الحوار الذي فتحته (إن حدث) مع كبار شركات الدواجن ومسالخها.
المؤسف أن النشاط الوحيد الذي نستطيع الحديث عنه من قبل وزارة الزراعة هو بعد أسبوع من بيع كيلوغرام الدواجن بـ 20 شيكلا خرجت علينا الوزارة (بعد خراب مالطا) بسعر اعتبرته عادلا 17.5 شيكل للكيلوغرام وكأن هذا هو الحل السحري لمعالجة الأسعار وحماية المزارع.
اليوم، يذهب المستهلك إلى السوق ويعود بخفي حنين بعد أن يدخل في دوامة أسعار "اللحوم الحمراء، الدواجن، الخضار، الزيوت النباتية، الأرز، السكر، الدقيق، الوقود"، ويعود ليكتب ملاحظاته عن حال السوق ويقارن مفردات خطاب وزارات الاختصاص مع واقع الحال، ويطول به الحال دون أي افق لمعالجة قضايا حقوق المستهلك من قبل الوزارات.
ابننا المسؤول، لا تستغرب، اليوم، هنا عائلات لا تستطيع توفير قوت يومها في الشهر الفضيل، ولا أبالغ ولم يعد مسعفا الحديث عن (بلد لا يجوع فيها احد) نعم، لا نجوع ولكننا، اليوم، لا نستطيع لأن عملية التمكين للفرد وللمجتمع لم تعد قائمة، هناك عائلات لا تستطيع شراء الدواجن واللحوم الحمراء والخضار وغيرها من السلع وتتدبر نفسها على قاعدة التدبير المنزلي وترشيد المستهلك، هناك إنهاء للطبقة الوسطى وتذويبها في ظل الوضع الاقتصادي.
أخانا المسؤول، نسبة المديونية للفرد في فلسطين باتت مرتفعة، وإمكانيات الوفاء باتت ضعيفة وهذا نتاج لارتفاع الأسعار وتآكل الدخل وعدم حدوث زيادة على الرواتب وعدم الالتزام بالحد الأدنى للأجور وتآكل فرص العمل وزيادة البطالة والفقر، واسأل أي منشأة في البلد ودعهم يعطوكم أرقاما لتزايد عدد المتسربين من العمل في البلد إلى العمل في السوق الإسرائيلية بمجرد بروز أول فرصة ودون انتظار أو تردد.
في ظل هذا الغلاء في الأسعار، بات ملحا خطاب شفاف واضح يخرج للمواطن/ة لا لبس فيه يوضح فيه الإجراءات رغم أن الوقت قد مضى ولم يعد مسعفا لمعالجة الارتفاعات، ولعل التلويح من خلف الكواليس باستيراد الدواجن من السوق الإسرائيلية لم يكن مسعفا رغم أن متابعتي مع المسالخ الكبرى لمست تغييرا في خطابهم باتجاه معالجات خلال أيام.
كم كنت أود أن يخرج وزير الزراعة وهو مؤهل شخصيا أن يخاطب الناس في اليوم الذي سبق شهر رمضان ليقدم مكونات خطته في معالجة أسعار الدواجن واللحوم الحمراء والخضار ومسائل من عيار الحمى القلاعية وإنفلونزا الطيور، ولكنه اثر أن يستمع لنصائح المجموعة التقليدية حوله وأن يلتزم الصمت بالمطلق وأدرك أن بعضهم قال له: غالبية من يعترضون يتعاملون مع الأمر "كلام في كلام" ونحن من نمتلك الخطة والرؤيا.
ويلح السؤال من المواطن: ماذا انتم فاعلون يا جمعية حماية المستهلك الفلسطيني هل ستخرجون لتقرعوا الطناجر الفارغة؟؟؟، هل ستجلسون باب وزارة الزراعة تلحون بالخروج بحلول خلاقة؟؟؟، هل ستعودون إلى طاولة مستديرة يجلس عليها من يخاطبكم بأنه أنهى كل قضايا الغلاء في البلد؟؟؟، هل ستقبلون بإجراءات تخفيفية جمركية في السوق الإسرائيلية ولا ننال من انخفاضها شيئا لدينا ولا ننكوي إلا بنار ارتفاعها؟؟؟
بالطبع لم ولن نقف سابقا ولا لاحقا مكتوفي الأيدي لأننا جزء من الناس الذين يعانون ويجب أن يكون أمامنا مسؤول مدرك لمسؤولياته واع لدوره ولا ينظر لنا من خلف الكواليس ويقرأ تقريرا مفاده "معاليك، اليوم، اشتريت كيلو الدواجن بـ 15 شيكلا من أين يأتون بالأسعار التي يتحدثون عنها!!!!" "معاليك، اليوم، وصلت شحنة أغنام وبيعت في السوق بسعر معقول انهم يبكون دون عصي!!!!!".
اليوم، لم يعد مقبولا الصمت عن توحيد الأسعار ارتفاعا في السوق الفلسطينية من قبل كبار الموردين وخصوصا في شهر رمضان، ولن يسعفهم مجرد التباكي على حال الناس عندما يلتقون هذا الوزير أو ذاك لبحث الغلاء وكأنهم غلابة لا يمتلكون من أمرهم شيئا، ترى هل يستوردون الأرز والسكر والزيوت والدقيق كل يوم أم أنها صفقات طويلة الأمد تخللها انخفاض سعر الدولار مقابل الشيكل، وهل مسالخ الدواجن التي تمتلك الحلقة متكاملة لا تستطيع أن تخفف عن الناس في هذا القطاع المهم، وهل تنظيم قطاع استيراد الخراف الحية لم يعد مسعفا بالأسعار أم أن إلقاء كل الكمية في حضن تاجر أو تاجرين سيكون المسعف بالأسعار في السوق مثلا والبقية لا تفي بالتزاماتها بالاستيراد.