جريمة قتل المواطنة غادة سباتين (48 عاما) الأم لستة أطفال من قرية حوسان يلخص مأساة شعب تحت الاحتلال في هذه اللحظة، جاء في البلاغ الإسرائيلي: قامت قوات الجيش بإطلاق النار نحو فلسطينية ركضت نحوهم في محاولة لتنفيذ عملية طعن في قرية حوسان / بيت لحم، ولا إصابات في صفوف القوات».. تبين أن السيدة لا تحمل سلاحاً ولا سكيناً ولم تهاجم الجنود ولا أي شيء، كل ذنبها انها تعثرت قليلاً وحاولت تفادي الوقوع أرضا، فعاجلها الجنود بالرصاص، وعندما تبين ان تقدير الجنود كان خاطئا لم يسعفوها وترك شريان الساق ينزف الى أن تم نقلها بمركبة خاصة إلى مستشفى بيت جالا الحكومي حيث فارقت الحياة.
من يتابع الإعلام الإسرائيلي يعتقد ان ثمة مقدمات لحرب على وشك الاندلاع، رئيس الحكومة بينيت ووزير دفاعه غانتس يهددان ويتوعدان، وقوات الاحتلال تزج بأربع كتائب إضافية الى جدار وخطوط الفصل العنصري، وقوات النخبة تزاول نشاطها الأمني في محافظات جنين وطولكرم والخليل، وترتكب أعمال قتل بلغ عددهم في الثلث الأول من شهر نيسان 9 شهداء وعشرات المعتقلين، وكانت حصيلة شهداء شهر آذار الماضي 18 شهيداً. مقابل ذلك قتل 14 اسرائيلياً في اربع هجمات فلسطينية. ويهيأ للرأي العام أن الحرب الوشيكة او التي تجري فصولها على الأرض هي بين جيشين متكافئين على قدم وساق.
واقع الحال ان دولة محتلة تستفرد بشعب أعزل، وتعمل على تفكيكه ولا تترك فرصة إلا وتغتنمها لتدمير أي أمل او أفق لتحرره وخلاصه من أطول احتلال، ولمنعه من تقرير مصيره بنفسه. تمارس دولة الاحتلال العنف السياسي بأبشع أشكاله بما في ذلك إزالة القضية الفلسطينية من الأجندتين الدولية والعربية، والتعامل معها باعتبارها قضية غير قابلة للحل، إلا الحل العدمي الإسرائيلي بشروط اليمين القومي والديني الإسرائيلي، الذي عبرت عنه صفقة القرن. كانت أكثرية الشعب المطلقة مع حل سياسي ينهي احتلال 67 ويضع نهاية لمشكلة اللاجئين ويحقق المساواة للفلسطينيين في مناطق 48، بل قبلت أكثرية الشعب في الضفة والقطاع باتفاق اوسلو على أمل أن ذلك الاتفاق الهش قد يكون خطوة في طريق إنهاء الاحتلال. ولكن بمرور الوقت قوضت سلطات الاحتلال كل مقومات الحل الضرورية على الأرض، وأقنعت أكثرية الشعب بأن ذلك الحل محض كذبة، وساهمت في نقل السواد الفلسطيني الأكبر من موقف قبول وتأييد الحل الى موقف اليأس من الحل ورموزه ودعاته وقواه السياسية، ودفعت أكثرية المواطنين الى البحث عن خيارات فردية وجمعية أخرى. ومارست دولة الاحتلال العنف الأمني بأبشع صوره عندما شطبت حقوق الشهداء والجرحى والأسرى، وأخذت تقتطع المبالغ المخصصة لهم من المقاصة، وما تزال تعمل بكل طاقتها لوقف استحقاقاتهم المالية المنصوص عليها في الميثاق الوطني والقانون الأساسي وفي وجدان وقيم الشعب والمتضمنة في شرعة حقوق الإنسان، في الوقت الذي تمجد فيه الإرهابيين اليهود أمثال القاتل غولدشتاين صانع مجزرة الحرم الإبراهيمي، وتقيم له النصب التذكاري وتحاكم الجنود والمستوطنين القتلة بأحكام صورية تشجيعية، واختزلت في خطابها الموجه للجمهور الفلسطيني دور السلطة الفلسطينية الى مهمة التنسيق الأمني. وكانت فكرة التنسيق الأمني هي الحفاظ على الهدوء الذي يساعد على انسحاب قوات الاحتلال من المدن والقرى والأراضي الفلسطينية وتسليمها للسلطة خلال مدة زمنية محددة، وإزالة السبب الموضوعي لمقاومة الاحتلال، والانتقال بالشعب الفلسطيني الى مرحلة البناء والعيش بسلام وأمن. لكنها عملت العكس بتعميقها للاحتلال والاستيطان، وتحصيل حاصل بجعل أسباب المقاومة والانتفاضة والتمرد والانفجار أكثر من حاضرة في تفكير الأجيال الجديدة، أصبح الاحتلال والاستيطان والقمع والعنصرية المنتج الرئيسي للمقاومة العنفية واللاعنفية. ومارست سلطات الاحتلال العنف الاقتصادي ضد الشعب الفلسطيني عبر اتفاق باريس الاقتصادي الذي كرس التبعية للاقتصاد الإسرائيلي، وحول الأراضي الفلسطينية الى سوق اقتصادي للسلع الإسرائيلية والى خزان للأيدي العاملة بمواصفات قل مثيلها في عالمنا المعاصر.
 باختصار شديد، الدولة المحتلة مارست وتمارس العنف الأمني والسياسي والاقتصادي وتهين وتذل شعباً وتعمل على قهره وإخضاعه لمعادلة أسياد وعبيد. بهذا المعنى الدولة المحتلة تنتج العنف المشروع والقانوني الملتزم بالقانون الدولي، وتنتج العنف التلقائي العفوي غير القانوني، تنتج المقاومة العنيفة والمقاومة السلمية. ولا شك في ان العنف المشروع والقانوني- الثوري والسلمي - ينسجم مع المصلحة الوطنية العليا، ويحول أكثرية دول وشعوب العالم بما في ذلك أجزاء من المجتمع الإسرائيلي الى أصدقاء وحلفاء داعمين لتحرر الشعب الفلسطيني من الاحتلال. مقابل ذلك فإن العنف العفوي الارتجالي الذي يستهدف مدنيين إسرائيليين، يلحق افدح الخسائر بالشعب وبقضيته ويعزله عن العالم، ويسمح لدولة الاحتلال بالمزيد من التوحش وبتبرير النهب والاستيطان.
العنف الإسرائيلي المتنوع، ما كان له أن يتحقق ويستمر بدون عوامل وأدوار فلسطينية، فالاحتلال ليس وحده مسؤولاً عن صناعة هذا الواقع المرير الآنف الذكر. عجز المنظمة والسلطة والحركة السياسية- من تنظيمات موالية وتنظيمات معارضة - عن وضع سياسة بديلة تنظم السخط الشعبي وتحوله الى طاقة إيجابية في مواجهة الاحتلال، ذلك العجز الذي جعل زمام المبادرة السياسية بيد الاحتلال، وسمح بتشكل بنية لها مصلحة في التعايش مع اللاحل. ويأتي في المرتبة الثانية سيادة الخطاب الشعبوي وسط الرأي العام الفلسطيني، وترويجه من قبل كوادر سياسية ورموز ثقافية، وحرص هؤلاء على ركوب موجة أي عمل عفوي ومرتجل والدفاع عنه والامتناع عن نقده، واستخدامه لكسب التأييد والإعجاب والمكانة الاجتماعية، هذا الموقف الشعبوي يتم تقديمه كبديل للأفكار الثورية وللمبادرات التي يحتاجها الجيل المتمرد على الواقع المأساوي. الخنوع السياسي، والشعبوية السياسية والثقافية، والفئوية التنظيمية القاتلة، أجزاء من الأزمة، وعائق امام عملية البحث عن مخرج. ولا يمكن الرد على عنف الاحتلال المتنوع بدون نقدها، بدون الاعتراف بحالتنا الصعبة.