دائماً تُجدِّدُ الأحداثُ الجارية في بلادنا رغبتي في إعادة قراءة ما كتبه الباحثون منذ سنوات عن أحداثٍ مشابهة لما يجري اليوم.
استقرأ المؤرخُ الجديد، أستاذ التاريخ في جامعة، تل أبيب، البرفسور، شلومو ساند، في كتابه، «اختراع الشعب اليهودي» الصادر العام 2008، الذي ترجمه سعيد عياش، وعلَّق عليه، أنطوان شلحت، استقرأ أحداث ما يجري اليوم في أرضنا من شلال الدم النازف في وطننا، تحدث شلومو ساند في كتابه السالف عن واقعنا الراهن بحاسته البحثية، وقراءته لتواريخ العالم في صفحة 391 حينما قال: «إن التفكير الإسرائيلي السخيف الذي يفترض أنَّ هذا الجمهور (الفلسطيني) النامي والمتعاظم سيقبل إلى الأبد إقصاءه من مركز القوة السياسية والثقافية، هو وهمٌ خطير»! أكَّد الكاتبُ نظريتَه السابقة باندلاع انتفاضتين فلسطينيتين العام 1987 والعام 2000 بسبب سياسة الفصل العنصري للاحتلال الإسرائيلي، وكأنه كان يؤشر على فقدان سيطرة إسرائيل على الفلسطينيين.
وضع، شلومو ساند إصبعه على مركز الضعف في إسرائيل، أشار إلى القانون العنصري الجائر وهو القانون نفسه الذي اعتبرته منظمة، أمنستي وصمة عنصرية في جبين إسرائيل، وهو قانون حق العودة لليهود فقط، قال: «بمقدار قرب يهود بروكلن في نيويورك من إسرائيل وهجرتهم إليها، يساوي بالضبط مقدار ابتعاد مدينة الناصرة عن إسرائيل! كما أن تحويل إسرائيل إلى جمهورية يهودية لليهود فقط هو أضغاث أحلام!» كما أنه أشار إلى صندوق أرض إسرائيل، الكيرن كييمت باعتباره صندوقاً عنصرياً، سماه مؤسسة مركزية مُجحفة، طالب الباحثُ هذا الصندوق بإعادة مليون وثلاثمائة ألف دونم استولى عليها الصندوق، ونقلها إلى أملاك دولة، وهي ملك للغائبين الفلسطينيين!
كما أنه طالب الإسرائيليين بأن يكفوا عن تضخيم الذات وإقصاء الآخر الفلسطيني بالادعاء بأنهم (الشعب المختار)!
نادى، شلومو ساند بمشروعه المثالي لحل النزاع المحتدم وذلك بحل الدولتين، وذلك بمنح الفلسطينيين والإسرائيليين إدارات ومؤسسات متساوية، هذه الدعوة لم يرفضها الإسرائيليون فقط، أو يتجاهلوها، ولكنهم حاربوا دعاتها واتهموهم بالخروج من يهوديتهم، وأصبحوا يهوداً كارهين لأنفسهم، أو أغياراً يتحدثون العبرية، كما أن الحاخام الأسبق الراحل، عوفاديا يوسيف اعتبر مشروع شلومو ساند مشروعاً انتحارياً خارجاً عن تعاليم التوراة!
استعدتُ تعبير الباحث، شلومو ساند عندما شبَّه ممارسات إسرائيل العنصرية ضد الفلسطينيين بثقب أسود سيظل ماثلاً في تاريخ إسرائيل، لا يمكن إزالتُه أو التغلبُ عليه سيسبب الكوارث للصهيونية ولإسرائيل!
يؤكد الباحث والمؤرخ في صفحات كتابه السالف، صفحة 391-394 أن وقوع سيناريو كارثيّ بسبب الثقب الأسود، مثل تمرد الجماهير الفلسطينية، وما سيتبعه من قمع دموي لا يعتبر نسيجَ خيال جامح، لأن هذا السيناريو سيشكل تحولاً حاسماً في تاريخ الوجود الإسرائيلي في الشرق الأوسط، حينئذٍ لن تسعف إسرائيلَ قوتُها العسكرية العاتية، ولا سلاحُها النووي، ولا حتى السور الضخم الذي طوت به نفسَها، كلها لا تُنقذ دولة إسرائيل من الثقب الأسود الذي برز داخلها!
إن حجم استنباطات الباحث والمؤرخ من الحقائق التاريخية المليئة بالتزييف الصهيوني، ومحاولة طمس تاريخ المجتمع الفلسطيني والتي جمعها ووثقها دفعته لإصدار كتابه الذي أعلن في عنوانه براءتَه من يهوديته، عنوان الكتاب: (كيف لم أعد يهوديا؟)!