لم يسبق أن وصل مشروع الحل السياسي مع دولة الاحتلال إلى حالة الموات وانعدام الأمل وفقدان الأفق، واختفاء المشاريع، كما هو عليه الآن.
من جهة دولة الاحتلال، لم يعد هناك عامل يجمع شمل أطرافها، ويحافظ على بقاء حكومتها إلا استعار نار عدوانها ضد الشعب الفلسطيني.
يعبر ذلك عن نفسه بشكل مفضوح وصلف وعدواني بعناوين تتزايد كل يوم.
أول العناوين: إجماع الأطراف والقوى السياسية الإسرائيلية الوازنة وإعلانها شديد الصراحة عن رفضها، ونفض يدها من مبدأ وفكرة قيام كيان سياسي للفلسطينيين على أرض وطنهم، مهما كان موقع هذا الكيان وطبيعته ومساحته وشكله وصلاحياته وشروطه....إلخ. ولم يبق من عامل وحيد وحاسم يحافظ على حكومة بينيت الحالية واستمرار بقائها وتماسك مكوناتها سوى هذا العنوان وترجماته على ارض الواقع.
وثاني العناوين: استعار نار العدوانية بأشكالها المتعددة والمتنوعة المباشرة وغير المباشرة، شديدة التطرف والمتمثلة بشكل رئيس بالزيادة المطردة بشكل شبه يومي في عدد كتائب الجيش وقوات الأمن بمختلف تسمياتها واختصاصاتها التي يتم نشرها على كل مساحة الوطن الفلسطيني. والإعلان عن أنه ليس هناك أي قيود على أجهزة الاحتلال الأمنية وقوات شرطته وجيشه في الاعتداء على الشعب الفلسطيني. وهو ما تتم ترجمته على أرض الواقع في زيادة العنف وارتفاع عال في أعداد الشهداء والجرحى والمعتقلين من أهل الوطن وفي جميع المناطق.
وثالث العناوين، هو استمرار، بل وتزايد وتيرة الاستيطان بشكل ملحوظ في أراضي الضفة الغربية المحتلة، وما يعنيه ذلك من قيام مستوطنات وتجمعات استيطانية وشق طرق تأكل من ارض الوطن وتعيق التواصل بين أجزائه إضافة إلى فرض أمر واقع على مقاس طموحات دولة الاحتلال التوسعية.
وقد تصاعدت شهية الاستيطان في الفترة الأخيرة وبشكل ملحوظ في أراضي مناطق الأغوار على شكل الاستيلاء على الأراضي وزراعتها وإقامة المستوطنات.
وتظل نار العدوانية بأكثر أشكالها استعاراً وخطورة تلك المتعلقة بالقدس وسعي دولة الاحتلال المحموم للسيطرة الكاملة عليها بقسمَيها الغربي والشرقي بما فيه من أماكن شديدة القدسية للفلسطينيين مسلمين ومسيحيين. وذلك في مسعى مركزي شديد الوضوح والعلنية والعدوانية لفرض أمر واقع يجعل من القدس ومعها أماكنها المقدسة العاصمة الموحدة لدولة الاحتلال.
إن استعار نار العدوانية يتسع ليشمل كل ارض الوطن الفلسطيني ويصل إلى مناطق الوطن المحتلة والواقعة تحت حكم دولة الاحتلال منذ العام 1948. يشهد على ذلك السياسات والممارسات العدوانية والتمييزية العنصرية ضد أهلها وسكانها الأصليين في النقب وفي الجليل ومدن الداخل الفلسطيني.
لكن صورة الواقع لا تكتمل ولا تكون واقعية وتبقى مجزوءة وظالمة دون الرؤية الواقعية الموضوعية مشمولة بالفخر والاعتزاز، لعنوان مقابل هو عنوان الواقع الوطني الشعبي الشامل والموحد، المقابل والمتصدي والمقاوم للعناوين المذكورة.
إنها صورة تشير، مؤكدة بوضوح شديد، إلى حالة عامة من التصدي الجماهيري تشمل أهل الوطن في جميع مناطق الوطن: من القدس إلى جنين ومدن الضفة إلى الجليل والنقب وإلى قلب أراضي 1948. ويبقى الطابع الغالب والأشمل لهذه الحالة من التصدي هو الطابع الجماهيري الواسع والشامل والمتواصل، دونما إغفال لعمليات نوعية وعالية التأثير.
هذه الصورة من التصدي الجماهيري، تحمل الكثير من مقومات ومقدمات التطور إلى انتفاضة جماهيرية شاملة على غرار الانتفاضات السابقة مع استمرار الحال الوطني العام على تصديه المتواصل لعدوانية المحتل الصهيوني واعتداءاته المتصاعدة ومشاريعه السياسية والاستيطانية.
يبقى لاكتمال الصورة العامة ضرورة رؤية صورة العامل الدولي والإقليمي بواقعه ومشاريعه أو مبادراته. وهي صورة حال من السكون تقترب من حال الموات:
لا مشاريع ولا مبادرات ولا محاولات ولا اتصالات، ولا إدانات لدولة الاحتلال وكل أشكال سياسة التمييز العنصري وتكريس احتلالها ومشاريعها العدوانية.
وتزداد حالة السكون هذه وتزداد مفاعيلها مع انشغالات هذه الدول واستغراقها في مشاكل وصراعات تمسها وتمس مصالحها مباشرة في أكثر من منطقة في العالم.
في مواجهة الصورة العامة للواقع بمكوناتها المذكورة، يخرج سؤال مدوي يصم الآذان، ويخاطب عقول كل أهل الوطن، وفي المقدمة منهم القوى والتنظيمات المناضلة السياسية والشعبية: هل من سبيل للتعامل مع هذا الواقع والقدرة على التصدي له لا يبدأ بضرورة ووجوب وحدة الموقف الوطني ووحدة أدواته الوطنية.
وهل يكفي الرد بالدعوة للنفير العام، على أهميته؟
ألم يحن الوقت لتوحيد الصف الفلسطيني وإنهاء الانقسام والتصدي للغطرسة الصهيونية غير المسبوقة ببرنامج عمل موحد وقيادة واحدة؟
من يرفع الراية؟ ومن يقرع الجرس؟