2022-04-16
الشعور الأصعب لدى الفلسطيني هو الشعور بالخذلان خصوصاً في المرحلة الدقيقة التي تمر بها قضيتنا الوطنية، وكان الخذلان غالباً يتم التعافي منه فلسطينياً سريعاً خصوصاً بقاعدة تعزيز الاعتماد على الذات والاندفاع الذاتي الوطني صوب حماية الشعب والأرض، ولكننا اليوم نعيش خذلاناً مركباً دخل مرحلة التواطؤ مع الاحتلال والشد على يده. والتعافي منها لا يتم إلا بإعادة تصنيف معسكر الأعداء بدقة ومعسكر الأصدقاء بات فارغاً إلا من رحم ربي.
مبررات الخذلان بالنسبة لأصحابه متعددة، ولكنها تسقط عند أول مفترق ولا تصمد بل تزيد وجوه أصحابه سوءاً فوق سوء، الناس في فلسطين لم يعودون يقيمون وزناً لتلك المبررات أمام الشهداء والأسرى والجرحى، وأمام تدنيس المسجد الأقصى وحصار القدس وعزلها عن بقية الوطن وحرمان الناس من التوجه إلى القدس، لم يعد المشهد اعتيادياً أن يقع ما وقع في المسجد الأقصى وجنين وحوسان والخضر، بل بات يحتاج لحسن التدبير والاصطفاف في معسكر الشعب الفلسطيني وليس في معسكر الأعداء والخذلان.
واليوم العيون مفتوحة صوب القيادة الفلسطينية وخطواتها الإستراتيجية لتوفير عوامل الحماية للشعب الفلسطيني ورفع الظلم عنه، بحيث يبنى على المشهد الكفاحي ويؤسس عليه باتجاه تحقيق اختراق يفضي إلى نجاحات ميدانية تقود إلى تحقيق الحقوق الوطنية المشروعة، ولم يعد مطلوباً من القيادة بيان إدانة ولا إبداء استهجان ولا التلويح بإنفاذ قرارات المجلس المركزي.
القيادة اليوم مدعوة لتصليب الجبهة الداخلية، ودعم وإسناد المشهد النضالي على الأرض وتعزيزه دون مواربة، ومنح صفة مناطق تطوير (أ) للمناطق الأكثر عرضة للاعتداءات الاحتلالية، وأن يكون حضور الرموز القيادية شخصياً وميدانياً هناك، وتعزيز مشهد الإسناد للفعاليات الشعبية الفاعلة ميدانياً، وعدم الانفصام عنهم من خلال تصريح إعلامي قد يفسر بمليون تفسير لا يعبر عن النوايا.
حركة "فتح" الحاضرة ميدانياً عبر قواعدها التنظيمية في المشهد الكفاحي التي لا يستطيع أن يسجل من كان موقفاً سلبياً تجاه هذا الحضور حتى لو كان من باب الغمز تجاه تأخير اجتماع القيادة بدلاً من أن تقول: إننا في حالة انعقاد دائم، أو من باب التنسيق الأمني الذي لم يعد يسعف أي غماز أو لماز في ضوء الحضور الفتحاوي القاعدي في المشهد النضالي الكفاحي، وتسجيل مشاهد ورمزية من آباء وأمهات الشهداء.
في خضم الاعتداءات الإسرائيلية ضد شعبنا الفلسطيني بات ملحاً إيلاء عناية فائقة للاحتياجات التنموية والأساسية للمناطق المستهدفة بالاعتداءات من عيار غياب سيارة إسعاف في قرى غرب رام الله في ظل هذا الوضع الذي يتكرر من قبل الاحتلال، وتعزيز الاقتصاد الوطني باتخاذ قرار قيادي بمقاطعة المنتجات الإسرائيلية ردا على الاعتداءات ضد شعبنا ولعلها تذهب صوب القطيعة الكاملة، وضرورة أن تكون هناك قرارات فورية لا تحتاج إلى تفكير بالمطلق بنصرة أي محافظة أو مخيم أو قرية أو مدينة تحاصر وتعزل بكل الوسائل المتاحة.
لقد أثبت شعبنا أن رؤية الاحتلال (الاستقرار مقابل الانتعاش الاقتصادي والمالي) قابلة للإسقاط والعزل وهذا ما ثبت خلال الأسابيع الماضية، وأن المشهد كان ضبابياً بالنسبة للذين كانوا يكتبون ويعلقون أن تلك المعادلة قد سادت وبات الاحتلال قادراً على رشوتنا مقابل التنازل عن حقوقنا، إلا أن الواقع اثبت أن الناس لا تتنازل عن حقوقها مهما كانت حجم الرشوة الاحتلالية لأننا نريد الوطن ولا نريد انتعاشا اقتصاديا وماليا.
مؤسسات المجتمع الأهلي مطالبة أن تخرج من مربع التحليل السياسي والاقتصادي إلى الالتحام بالمشهد الوطني العام كل في مجال اختصاصه، وهذا لا يقلل من أهمية دور بعض المؤسسات التي تعمل باجتهاد في هذه الدائرة، وينسحب الأمر على الأكاديميين الذين يجتهدون في دورهم.
صحيح أن المجتمع الدولي متواطئ وصامت إلا أن هذا لا يمنع عملياً من الضغط والتأثير على هذا المجتمع من خلال تقديم خطاب واضح له من قبل أهل الاختصاص، بحيث لا يكون الخطاب حمال أوجه، بل واضح وصريح وذاهب لنقطة محددة وهي إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس والعودة.
ويجب أن تصدر رسالة واضحة وجلية وصريحة من الجميع تقول: إن شعبنا الفلسطيني صف واحد موحد ويلقي خلف ظهره الانقسام، ويتقاسم المهام حيث نشهد اليوم نهوضاً للمقاومة الشعبية في الضفة الغربية والقدس. دعوا معالمها تتجلي بوضوح، وليكن الكل شريكاً فيها.