ما زلنا في اوج الحالة شديدة السخونة، ومركزها المسجد الأقصى المبارك ... أي القدس، أي الروح والقلب في الجسد الفلسطيني.
وكلمة سر الأقصى والقدس، انهما العصب المكشوف الذي ما ان يمس حتى تسري الآمه... لتكون المحفز الدائم لردود فعل حادة تبدأ بالقبضات وتصل الى استخدام السلاح.
الأقصى والقدس كبؤرة تحفيز واشتعال، تغذيها إسرائيل، فالمتشددون يذهبون في غلوائهم حد الاعداد لذبح قرابين في واحد من اقدس الأماكن عند الفلسطينيين والمسلمين، والدولة الإسرائيلية ترسل جيشها المدجج بالسلاح لاقتحامات متتالية، مزودا بتشجيع رئيس الحكومة الذي اطلق يده في العمل حتى القتل.
تاريخ حروب الأقصى والقدس صارت قوانينه ثابتة ومحفوظة عن ظهر قلب.. هدوء فلسطيني على مضض يتلوه انفجار. واشعال إسرائيلي في القدس وما حولها لتثبيت مصطلح انها العاصمة الموحدة لإسرائيل وليس للفلسطينيين فيها سوى الصلاة في الأقصى، ولكن من خلال نفق يضيق ويتسع حسب خطط أجهزة الامن وجاهزية الهراوات والبنادق للعمل!
الموقعة الراهنة انتجت مشهدا ميدانيا وسياسيا فيه لاعبون اساسيون ومراقبون ينتظرون ولا احب استخدام مفردة متفرجين.
اللاعبون الاساسيون اولهم الشارع الفلسطيني منتج المبادرات المنفلتة من أي انضباط او سيطرة ، وهو شارع المفاجآت فما ان تستقر الأوضاع على حالة توحي بهدوء دائم حتى تنطلق فعالية او عدة فعاليات تعيد الأمور الى نقطة الصفر أي التفجر، ويقابل هذه الحالة نهج إسرائيلي يذهب في القمع الى الحدود القصوى، مع يقين لدى صناع القرار بأن ما يفعلون لا جدوى منه واذا ما توصلوا الى حالة هدوء، فهم يعرفون انها حالة مؤقتة لا ضمان من ان تتبدد مع اول تحرش واحتكاك وما اكثرها من جانب السلطة الرسمية الإسرائيلية، وطليعتها في القدس بالذات من تسميهم بالمتزمتين والمتشددين، الذين يقومون بأنشطتهم تحت حماية الجيش.
في الموقعة الراهنة اتسعت التداعيات بصورة وصلت الى مضاعفات جعلت الأمور غير محصورة في الحيز الذي تجري فيه المواجهات الساخنة، فظهر الدور الأردني بقوة حضور لافتة اعتبرها الإسرائيليون تجاوزا لما يقدرونه وربما من جانب واحد للخطوط الحمر، كان الخطاب الأردني شديد اللهجة من خلال تصريحات رئيس الوزراء المستمدة من تصريحات الملك التحذيرية، والتي تلاها دعوة القائم بالاعمال الإسرائيلي لتحذير حكومته من مغبة الاستمرار في انتهاكاتها واستفزازاتها، ذلك مع تزويد البرلمان الأردني بدوافع مباشرة لاعادة المطالبة بطرد السفير الإسرائيلي من عمان.
اما حكومة إسرائيل فقد اختارت التصعيد مع الأردن بدل التعقل في الاستجابة لما يطلب، ما يشير الى العمى السياسي الذي أصاب صناع السياسة والقرارات، فهم يتجاهلون أهمية الأردن في العلاقات معهم بذات القدر من تجاهلهم لأهمية الأقصى والقدس عند الفلسطينيين والاردنيين والعرب والمسلمين.
في كل ازمة كبيرة كالتي نعيشها تدخل مصر على خطها بطريقتها الخاصة وبوسائلها المعروفة كذلك، لقد نشطت الديبلوماسية المصرية ضمن الخطين التقليديين غزة وتل ابيب وذلك من واقع إدراك كيف يمكن للشرارة ان تحرق السهل كله.
ذلك ان حبل الاتصال بين غزة المحاربة والقدس المتصدية لا تقطعه التهدئات المؤقتة ولا التفاهمات الهشة التي كانت تنهي جولة، وكأنها تحضر للجولة القادمة، واذا كانت القدس والاقصى وصلا بعصفهما الى قلب إسرائيل حيث تأثيرهما على الائتلاف الحكومي بقاءً او انهياراً، فكيف والحالة هذه يمكن فصل التوائم الذين وان اختلفت حالاتهم فقلبهم واحد.
الأردن ومصر يواجهون وهم اللاعبون الاساسيون كذلك معيقات إسرائيلية صارخة، فليس الفلسطينيين من يعيقون حركتهم بل يباركونها ويراهنون عليها، وانما الإسرائيليون الذين يريدون اخذ كل شيء دون ان يعطوا أي شيء.
هذا هو المشهد على حقيقته، بطله الشارع الفلسطيني والموقف الأردني والحركة المصرية ... دون ذكر الغائبين تفاديا للحرج.