منذ يوم الجمعة الماضي وحتى يوم أمس، شهدت حدود التماس بين الفلسطينيين والإسرائيليين توتراً شديداً، كاد في كل لحظة يتحول إلى مواجهة عنيفة دامية، وذلك مع حلول عيد الفصح اليهودي ومدته أسبوع كامل، خلال شهر رمضان المبارك، وطوال الوقت كان الوسطاء_المصريون على نحو خاص_ يتابعون الوقائع الميدانية أولاً بأول، ذلك أن الجانب الإسرائيلي خاصة، لم يكن بمقدوره، لا وفق تركيبة الحكومة الحالية، ولا وفق الظرف الذي تمر فيه منذ عدة أيام، بعد فقدانها الأغلبية البرلمانية الضيقة، أن يلتزم بما يضطر إلى قبوله من أجل تجنب المواجهة خاصة على جبهة غزة، في ظل سعي المتطرفين اليهود، من جماعات الهيكل وغيرهم، للذهاب بعيدا في محاولة تحقيق مكسب نوعي هذا العام يتجاوز مجرد الاقتحامات الدائمة لحرم وساحات المسجد الأقصى.
وقد بدأ أسبوع الكر والفر بين الطرفين، أو ما يمكن وصفه بالمجابهة المحسوبة، أو محاولة تحقيق منجز نوعي من الطرف الإسرائيلي، مع صمود للحفاظ على ما يسمى عادة بـ «ستاتيكو» الحرم المعمول به منذ عام 1852، أي منذ العهد العثماني، وذلك بتوفير الأجواء لأتباع الديانات كلها لممارسة شعائرهم الدينية بحرية، وذلك منذ صباح يوم الجمعة الماضي، حين اندفعت جماعات الهيكل محمولة بالحافلات ومحمية من قبل جنود وأفراد جيش وشرطة الاحتلال، لاقتحام ساحات الحرم القدسي، بعد أن أعلنت نيتها أن تقدم القرابين هذه السنة، توطئة لإعادة بناء هيكل سليمان الذي تزعم أن مكانه هو بالضبط مكان الحرم نفسه.  
حينها أعلنت فصائل العمل الوطني الفلسطيني، بأن تقديم القرابين هو الخط الأحمر، الذي سيتم الرد عليه بفتح جبهة غزة، بل وفتح كل الجبهات، في كل مدن وقرى الضفة الغربية، أي أن الجانب الفلسطيني بمستوييه الرسمي والفصائلي، فوت منذ البداية كل احتمال للجانب الإسرائيلي للانفراد بالقدس ومرابطيها الذين كان الاحتلال قد انتبه لضرورة تحجيم عددهم بحيث لم يتجاوز الألف، قام باعتقال وجرح أكثر من نصفهم، وذلك في اليوم الأول من المواجهة التي امتدت على مدار أسبوع التوتر.
أما الحكومة الإسرائيلية، فقد واصلت عبر جيشها وشرطتها حماية وتسهيل عمليات الاقتحام اليومية للمتطرفين المتدينين، لكنها حرصت على عدم تجاوز الخط الأحمر، كلما رأت اليد الفلسطينية قابضة على الزناد، وكانت فعلا تقوم بتفتيش أفراد جماعات الهيكل، خشية أن ينجح أحدهم في إدخال الذبيحة التي ستقدم كقربان لهيكل الوهم الذي يوجد في مخيلتهم، وهكذا مر اليوم الأول دموياً في داخل القدس بشكل خاص، لأنه شهد إقدام جنود الاحتلال وشرطته على قمع المصلين الفلسطينيين الذين يحتجون على دخول من هم غير المسلمين لحرم هو مكان العبادة الخاص بالمسلمين، أي باحة المسجد الأقصى.  
وكان مشهد إقدام عناصر وأفراد جيش وشرطة الاحتلال على ضرب المرابطات بشكل خاص بالعصي ومطاردتهم، معبراً وملخصاً لما هو عليه الحال من قمع وقهر لا حدود له، نافياً لكل ادعاء كاذب بأن الاحتلال الإسرائيلي يحفظ حقوق أتباع الديانات في ممارسة شعائرهم الدينية، وذلك لأن المعضلة بالأساس تكمن في أن المتدينين اليهود يسعون لممارسة شعائرهم الدينية في أماكن عبادة المسلمين، وبالتحديد في كل من الحرم الإبراهيمي والمسجد الأقصى، وهذا يعتبر تعدياً على حرية الآخرين، ولو تم تعميم هذه الفكرة بحيث طالب غير اليهود بممارسة عباداتهم في كنس اليهود، هل كانوا يقبلون، وهل يمكن تصور أن يمارس من هو غير مسيحي عبادته في كنيسة خاصة بالمسيحيين؟ هذا هو جذر المشكلة التي يتسبب بها المتطرفون اليهود ومعهم دولتهم بجيشها وشرطتها، ذلك أنهم لا يكتفون بممارسة شعائرهم الدينية عند جدار حائط المبكى.  
ثم كان يوم السبت التالي بمثابة استراحة محارب، لأنه يوم عطلة نهاية الأسبوع عندهم، فيما كان يوم الأحد التالي يوم تجدد مد حبل التوتر مجددا، حيث بدا أن الصراع بعد نزع فكرة تقديم القرابين، صار يدور حول محاولة الجانب الإسرائيلي تثبيت فكرة التقاسم الزماني والمكاني للحرم القدسي الشريف، فرغم أن الوقت هو رمضان، فإن إسرائيل واصلت تفريغ الحرم من المصلين لساعات في الصباح، باستثناء يوم الجمعة، وكأن الصلاة وقيام الليل والرباط في الحرم يقتصر فقط على يوم الجمعة، وحكومة الاحتلال تقوم عادة بفعل مزدوج، أحد طرفيه منع المصلين المسلمين من دخول الحرم، حتى يكون فارغا، لتسهيل مهمة دخول المتطرفين من المتدينين اليهود، وهذا هو تعبير التقاسم الزماني؟
كذلك حاولت إسرائيل ومعهما متطرفوها من المستوطنين تحقيق المكاسب والإنجازات في أماكن أخرى، فقد اقتحموا الحرم الإبراهيمي، كما قاموا بمحاولة صرف الأنظار إلى أماكن أخرى من خلال ممارسة الاعتداءات على المواطنين الفلسطينيين في غير مكان بالضفة، كما قاموا بإقامة بؤر استيطانية جديدة، ثم أخيرا أعلنوا عن مسيرة الأعلام، وحددوا لها مساراً يتضمن بالطبع استفزاز الفلسطينيين، بتحديد انطلاقها من باب العامود، وصولاً إلى ساحة البراق، وذلك انطلاقا من الساعة الخامسة من مساء الأربعاء الماضي، وذلك رغم عدم ترخيص المسيرة من قبل حكومة بينيت، خشية أن يؤدي مسارها إلى اصطدامها بالمواطنين الفلسطينيين ومن ثم وقوع ضحايا، واندلاع التصعيد على كل الجبهات.
والحقيقة أنه كان يمكن لمسيرة الأعلام أن تكون سببا في اندلاع الحرب على جبهة غزة، كما حدث العام الماضي، لولا مواصلة الوسطاء إصرارهم على عدم خروج حالة التوتر عن السيطرة، في ظل التزام فلسطيني منذ البداية بعدم التصعيد تجنباً لاندلاع الحرب، ولكن في نفس الوقت، مع الإصرار على عدم تجاوز الإسرائيليين للخط الأحمر، وتجاوز حتى ما اعتادوا على ممارسته من أفعال عدائية احتلالية خلال السنوات السابقة، ولولا الخبرة والجرأة الميدانية الكفاحية الفلسطينية، التي تمثلت بعدم انتظار التصدي لهم داخل باحات الحرم، بل والتقدم من داخل أسوار المدينة القديمة، والاحتشاد أمام باب العامود لمنعهم من السير عبر الطرقات وصولا للحرم، وهذا يعد إنجازاً ميدانياً يضاف للإنجاز المتحقق في جنين بتشييد حالة ردع الاحتلال، الذي لم يعد قادراً على القيام بكل ما يخطر بباله، حيث شب الشعب الفلسطيني عن الطوق، وبات يعتمد على سواعده لانتزاع حريته، كما فعل أسرى جلبوع من قبل. ولولا ذلك لكانت هناك حرب طاحنة في كل جبهات المواجهة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.