بعيداً عن السياسة قليلاً لننظر إلى واقعنا الاقتصادي ومتطلبات الحياة اليومية، ومقدار المال المطلوب من رب الأسرة توفيره بشكل شهري ويومي، ومع الغلاء الفاحش الذي يعصف بنا في جميع احتياجاتنا البسيطة، من ساندويش الفلافل مروراً بفنجان القهوة وصولاً إلى أي سلعة في الأسواق، جعل الموظف في كل أسرة عبارة عن «سوبر بانك».
مهما كان مستوى دخلك - وكان الله في عون الموظف الحكومي بالتحديد - فأنت سوبر بانك، الجميع يريد حصته من المال الذي تتمنى أن تقبضه كاملاً بين يديك، فبعد الاقتطاع المالي بسبب الأزمة المالية للحكومة - وكان الله في عونها أيضاً - يبدأ الجميع بالتكشير عن أنيابه لافتراس الراتب، كل حسب الطريقة التي يراها مناسبة بتمزيقه ومضغه.
تنهال عليك الفواتير المختلفة من هاتف ونقّال وإلاّ سيتم القطع، هكذا يتم تهديدك، ماء وكهرباء بالدفع المسبق، الإنترنت ومشتقاته، كل تلك تدفع أضعافاً مضاعفة عن باقي الدول وأهمها دولة الاحتلال، ويطلب منك أن تدعم الفاتورة الوطنية!!
وما بين خضراوات وفواكه أسعارها بالعالي العالي، تأتي أسعار اللحوم والدجاج ومشتقاتها لتتربع على عرش الغلاء الفاحش، وأغلب مكونات البقالة ارتفعت بشكل ملحوظ، وبعد كل ذلك يخرج لنا مسؤول ما، في موقع ما، يجب عليه مراقبة الأسعار ويصرح لنا بأن الأسعار لم ولن ترتفع، أخشى ما أخشاه أنه يتحدث عن دولة أخرى أو أنني فقدت الحواس!!
ولسخرية القدر، تطلب منك روضة أطفالك أن تدفع فاتورة عام كامل على شكل «كاش» و»شيكات» قبل أن يبدأ العام القادم! وفي ذات الوقت يطلب منك أن تدفع رسوم تسجيل ابنك في المدرسة، وبعد كل هذا أقول بيني وبين نفسي: كان الله في عون من لديه أبناء في الجامعة!!
حتى هذه اللحظة لم أتحدث عن فاتورة بنزين السيارة وتأمينها وترخيصها وغسيلها، وقسط البيت أو الإيجار، لم أتحدث عن المناسبات المختلفة ومتطلباتها، لم أتحدث عن كشفية الطبيب والدواء، جرة الغاز، علبة السجائر، «زواكي الأطفال» من حلويات وبوظة ولو بسكوته!!
إن موجة الغلاء التي نتعرض لها تعود لارتفاع الأسعار عالمياً، وهو خارج قدرة الاقتصاد الوطني غير القادر على مواجهتها في الأدوات التقليدية التي تتبعها الحكومة. لهذا كله على كل مسؤول حسب موقعه واختصاصه عدم ترك الأمور على غاربها دون سيطرة وتحكم في المشهد، فأسلوب الفزعة لا يفيد في هذه الأمور أبداً.
للأسف لم يمتلك أي مسؤول خطة طوارئ واضحة لدعم الموظف الحكومي «المدني والأمني» والحد من أي تطورات سلبية تضرب راتبه، ما جعل جيوب الموظفين تدفع ثمن الاستهتار والتردي الإداري في التحوط لمثل هذا الموقف، المسؤول بكل أشكاله ومواقعه اكتفى بتبرير أسباب ارتفاع أسعار السلع محلياً بارتفاعها عالمياً، وتبرير الاقتطاع من راتبه بسبب القرصنة الإسرائيلية على أموالنا، وكأن الأمر كان مفاجئاً للمسؤولين الذين كان المفترض بهم أن يكونوا قد أعدوا خطة متكاملة بالتعاون مع كبار رجال القطاع الخاص والتعليم من جامعات وروضات وحضانات لتأمين الموظف باحتياجاته اللازمة في وقت مبكر.
سيدي المسؤول الموظف الحكومي ليس سوبر بانك، ما يستدعي الوقوف لما يحدث الآن بجدية عالية ووضع خطط ملموسة سريعة، فغالبية مشاكلنا الاقتصادية باتت بسبب هذا الضعف، والأمر وإن تعلق بمؤامرة خارجية على فلسطين لكن علينا عمل وظيفتنا المنزلية من خلال إدارة الملفات تحديداً الاقتصادية بشكل غير تقليدي، فالتحرك لا يكون إلا وقت وقوع المشكلة لا قبلها مع كُل آسف.
لهذا أتمنى من الأخ الأكبر لجميع الموظفين الحكوميين، رئيس الوزراء د. محمد إشتية، أن يحمي لقمة العيش المتبقية لنا من رواتبنا، قبل أن يأكلها الآخرون بطرق شرسة دون أدنى رحمة، وأنت تستطيع بحنكتك التي نعرفها وروح ابن البلد ملامسة جروحنا التي تنزف، بوضع سياسات ملزمة لحماية رواتبنا، فالموظف ليس سوبر بانك.