مع بداية شهر رمضان هذا العام، وخلال هذه الأيام الأخيرة منه، ما زالت أسعار السلع الأساسية مرتفعة جداً، بشكل حرم الكثير من الأسر من وجبات اعتادوا عليها تحتوي على الدجاج أو اللحوم مثلاً، فأسعار الدجاج ما زالت تحوم حول حوالى الـ 20 شيكلاً للكيلو الواحد، وأي أسرة متوسطة الحال تحتاج الى دجاجتين للإفطار مثلاً، وهذا يعني حوالي الـ 60 شيكلاً، اما اذا ارادت الأسرة ان تكون الوجبة من اللحوم مثلاً فتحتاج الى حوالى الـ 80 شيكلا لكيلو اللحم الواحد فقط، ويحدث هذا مع العلم ان المعدل اليومي لأجر العامل أو الموظف لا يزيد على الـ 100 شيكل في أحسن الاحوال، ناهيك عن ان هناك الكثير الذين يتقاضون اقل من الحد الادنى للأجور، اي الـ 1880 شيكلاً شهرياً، أي المعدل اليومي حوالي الـ 60 شيكلاً.
 وتتواصل هذه الارتفاعات في الأسعار لكي تحرق جيب ومعدة وأعصاب المواطن العادي، في ظل عدم وجود اي تدخل فاعل مؤثر او ملموس من مختلف الجهات، وبالأخص الجهات الرسمية، التي من المفترض أن تحدد الحدود القصوى للأسعار او تعمل على توفير الكميات المطلوبة من السلع، وبالتالي تفتش وتضبط وتحاكم وتتابع، مثل وزارت الاقتصاد والزراعة وغيرهما، أو من الجهات غير الرسمية التي تطالب بحماية المستهلك، أو من الغرف التجارية والتجار وجهات أخرى لا تترجم شعاراتها أو أقوالها الى أفعال.  
والارتفاع الحاد في الأسعار، سواء هذا العام خلال شهر رمضان أو في الأعوام السابقة، او خلال مواسم أخرى من العام، يظهر مدى الجشع والاستغلال الذي يتملك التجار وبالأخص الكبار منهم أو الموردين او الذين يتحكمون بوصول السلع الى صغار التجار، ومدى الاستهتار بالالتزام بأسعار استرشادية أو الشعور بأحوال الناس، وبالأخص في ظل أحوال اقتصادية واجتماعية متردية وفي ظل مواصلة إعلان الحكومة عن الأزمة المالية وبالتالي مواصلة اقتطاع نسبة من رواتب الموظفين.  
ومن يسير في شوارع مدينة رام الله مثلاً، وربما في شوارع غيرها من المدن في هذه الأيام من شهر رمضان، يلحظ غياب السلطات الرقابية الرسمية، التي من المفترض ان تراقب وان تفتش وان تتأكد من ان التجار يلتزمون على الأقل بالأسعار الاسترشادية التي قامت السلطات الرسمية بالإعلان عنها وتحديد سقفها الأعلى، ويلحظ كذلك ان الشغل الشاغل، والحديث المتواصل للناس هذه الأيام هو عن الأسعار، وبالأخص عن الارتفاع الجنوني وغير المنطقي وغير المفهوم في أسعار الدجاج واللحوم، ولمَ لا؟ حيث أن الهم الأكبر للمستهلك وللصائم هذه الأيام، هو توفير وجبة الإفطار له ولأفراد عائلته.
 وفي ظل هذه الفوضى والتخبط والتلاعب والفشل في ضبط الأسعار، يتواصل غياب الجهات الرسمية ذات العلاقة، التي يتوق المواطن والمستهلك والصائم، بلهفة الى وجودها أو الى تدخلها، أو الى الشعور بأن هناك جهات تشعر بما يشعر به، وانها تقوم بتطبيق ما تتحدث عنه، وانه وكما هو الهدف الأساسي للحكومات في العالم، من المفترض ان تعمل على توفير احتياجاته وعلى حمايته من الاستغلال، وان تعمل على توفير حياة كريمة له، في ظل هذه الظروف المعقدة والصعبة، بعيداً عن الحجة المكررة من معادلة العرض والطلب والاقتصاد الحر وغير الحر أو اقتصاد السوق الليبرالي.    
وبدون شك فإن الجهات الرسمية، وبالتحديد الوزارات ذات العلاقة، اي وزارتَي الاقتصاد والزراعة، هما المسؤولان الأكبر عن جنون الأسعار هذه الأيام، ولا أعتقد ان هناك بلداً في العالم يضاهينا في مثل هذه الأسعار، وفي التقلبات والارتفاعات في الأسعار، التي لا يوجد عليها رقيب او حسيب، ومن الواضح وفي ظل حسابات بسيطة للتكلفة، وجود فوضى وجنون وتلاعب واستهتار في رفع الأسعار، ومع التسليم بالجشع والابتزاز غير المسؤول الذي يمارسه تجار الجملة، الا ان الأمور بالفوضى الحالية، توحي بالغياب الحقيقي لاي جهات رسمية، والتي في المحصلة وفي مثل هكذا أوضاع، هي المسؤول المباشر عن ما يتم في البلد، وبالتالي عن الفشل في ضبط الأسعار.
  والارتفاع الجنوني في أسعار الدجاج واللحوم، والذي ينطبق على سلع اخرى من الخضار ومن الفواكه وما ينتج عنهما او يتبعهما، وهذه السلع أساسية، التي لا يمكن للمستهلك الابتعاد عنها، حتى أن الدعوة الى مقاطعة الشراء والاستهلاك، اي مقاطعة المستهلك لشراء الدجاج مثلاً، يمكن ان تجدي، ولكن وفي ظل وجود أناس قادرين ويشترون، أو غير مبالين بارتفاع الأسعار.
فالحديث عن مقاطعة او عن المحاولة للتوجه الى المستهلك لكي يؤثر هذه الأيام، وكما كان من المتوقع لم تحقق النتيجة المطلوبة، وحتى لو ان الدعوة بحد ذاتها هي منطقية وإحدى الوسائل للتأثير على الأسعار.  
والجميع يعرف ان رفع الأسعار وبشكل مزاجي، او استغلالي، وبالأخص في أيام شهر رمضان، لا يوجد  له أي سبب منطقي، وان هذه اللحوم مثلاً، سواء أكانت من العجول او الخرفان، هي نفسها الكميات التي كانت تباع قبل فترة قصيرة، بأسعار اقل، وان هذه الكميات موجودة في المخازن أو في الثلاجات عند التجار الكبار، ولكن ورغم التسليم بذلك، فلا تجد تاجراً واحداً على استعداد مثلاً ان يبيع كيلو لحم السخل بأقل من 80 شيكلاً، وهذا يعكس الثقافة المتردية من الجشع ومن الطمع ومن الاستغلال.
والفشل في ضبط الأسعار خلال شهر رمضان هذا العام ومع تأثيراته المؤلمة، يعكس الحاجة الماسة والفورية لتطبيق قوانين واضحة وعلانية، مثل إغلاق محل أو ملحمة أو محل لبيع الدجاج، او حتى الإعلان عن أسماء من يتلاعب بالأسعار، او من يبادر برفعها، وبالأخص اذا كانوا من التجار الكبار او الجملة، أو حتى وضع إعلان على متجر او ملحمة أو محل، بأن هذا المحل لا يلتزم أو لا يحترم الأسعار، ولكن في ظل الفوضى الحالية، لا يتوقع المواطن ذلك، وبالأخص في ظل الغياب التام لدور الحكومة وجهاتها الرسمية ذات العلاقة، وتكرار هذه الدوامة عاماً بعد عام، او فترة بعد فترة، وبالتالي استمرار معاناة الناس.