لم تأتي تصريحات وزير خارجية الاتحاد الروسي حول النازية وأصول زعيمها هتلر خطوة مفاجئة خاصة بعد تدهور العلاقات الإسرائيلية مع روسيا على أثر العمليات العسكرية في أوكرانيا والموقف الإسرائيلي منها واتهاما لروسيا بارتكاب جرائم حرب هنالك ، وكأن إسرائيل هي الدولة النقية الشفافة والعادلة التي تلتزم بالقانون الدولي منذ نشاتها دون جرائم بحق شعبنا الفلسطيني وشعوب أخرى .

لم يكن أيضا ما أتى به لافروف سوى إعادة تلخيص عدد من الشهادات الموثقة والدراسات العلمية بهذا الخصوص ، رغم ان الهوية الدينية أو الأصول الجينية ليست هي ما يحدد الهوية الفكرية السياسية أو ممارسات الأشخاص. 

أن الدعم والتأييد الواضح من جانب دولة الاحتلال للنظام الاوكراني القائم بحكم الانقلاب منذ عام ٢٠١٤ بدعم وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، قد اتسع ليشمل التعاون وقتال بعض الإسرائيلين مع عصابات ازوف النازية في أوكرانيا التي ترتكب الفظائع بحق الشعب الاوكراني نفسه والتي تحظى بدعم الرئيس زيلنسكي أيضا.  

لم تكن تلك المواقف التي عبر عنها الوزير الروسي لافروف الا امتداد لايدولوجيا الفكر السوفيتي الذي ما زال يحظى باحترام العديد من الروس وقادتهم السياسين والعسكريين الذين انقذوا البشرية من الوحش النازي في يوم تقترب ذكراه الأسبوع القادم بالثامن من أيار حين رفع علم الجيش الاحمر على الرأيخ النازي في برلين بعد أن ضحى الجيش الاحمر والسوفيت بأكثر من ٢٥ مليون شخص ، ورغم ان العلاقات الروسية الإسرائيلية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي اخذت بعدا جديدا نمت خلاله العلاقات المشتركة بل والمصالح ، الا ان ذلك اخذ بالتراجع بالفترة الأخيرة بعد التطورات الدولية الأخيرة وثبات العلاقة الاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية ذات المحددات المشتركة . في وقت اتسمت به سياسات الاتحاد السوفيتي السابق والعديد من القادة الروس اليوم بدعم حقوق شعبنا بالحرية والاستقلال الوطني وتقديم ما يلزم لتمكين شعبنا من الصمود والبناء ، كما تم دعم صمود ثورتنا ومنظمة التحرير  وشعبنا ومؤسساتنا الحكومية دون اشتراطات في مراحل مختلفة وبقطاعات عسكرية وتعليمية واقتصادية مختلفة إضافة إلى المواقف السياسية الثابتة حتى اليوم بالمحافل الدولية وخاصة حقنا بتقرير المصير وإنهاء الاحتلال بكافة أشكاله. 

  وفي هذا السياق كان لا بد لي من العودة مرة أخرى كما في مقال سابق لي  لأهمية ما كتبه الأخ الرئيس محمود عباس في كتابه بعنوان "الحركة الصهيونية في أدبيات لينين "( زعيم ثورة أكتوبر الاشتراكية )  ، الذي صدرت طبعته الأولى عام 1979 والثانية عام 2011 ،  حيث يقول في هذا الكتاب ،
 "لقد رأى لينين أن استمرار استغلال القضية اليهودية   لمصلحة الاستعمار هو ما يحقق أهداف الحركة الصهيونية التي تعيش على هذه القضية وتحركها وتستفيد منها."
 ويتابع الكتاب في نصوصه : "إذا اتبع زعماء العالم حذو لينين في تقييمه ومعالجته للقضية اليهودية ، فما كانت قد تمددت الحركة الصهيونية ، ولما كانت هناك دولة إسرائيل الاستعمارية ، لأنه باختصار ، فان لينين قد أعتَقد بأن اليهود لا يشكلون أمة وليس لديهم مكونات الأمة ويجب أن يعيشوا داخل المجتمعات التي كانوا موجودين فيها منذ مئات أو حتى آلاف السنين. "
ويذكر الكتاب في اجزاءه  الأخيرة ، " لم يقبل لينين بمبداء الفصل بين الاستعمار والإمبريالية من جهة والحركة الصهيونية من جهة اخرى ".
تلك كانت مواقف الحركة الشيوعية تاريخيا وبالاخص بالاتحاد السوفيتي من الحركة الصهيونية التي حاول البعض عبر التاريخ تشويه تلك المواقف  لاغراض تناسب اهداف الحركة الصهيونية والغرب نفسه . 
كما لا بد أيضا من الإشارة هنا إلى ما ذكره الأرشيف الإسرائيلي نفسه ، حول ما قاله ليون تروتسكي احد قادة الاتحاد السوفيتي بعشرينات القرن الماضي ومؤسس الجيش الاحمر ، عندما طرد غولدا مائير من مكتبه واصفا الحركة الصهيونية بالعنصرية وذلك عندما ذهبت لمقابلة السوفييت في موسكو انذاك .
تلك هي المواقف التي اتسمت بوضوح وبُعد الرؤية التي تحلى بها لينين وغيره من قادة الحركة اليسارية حتى يومنا هذا من معاداة الصهيونية . 
 
 من الملاحظ اليوم  أن الغرب ألاوروبي لا يزال يعيش في ظل عقدة خوف نتيجة ما تم بحق اليهود من كراهية بأوروبا ، وهم يخشون فكرة الحركة الصهيونية التي زرعتها في أذهان الكثيرين منهم ، والتي تساوي بين انتقاد سياسات إسرائيل ومعاداة السامية.  حيث يتحالف العديد من الأوروبيين على هذا الأساس ، وخاصة أولئك الذين ينتمون إلى أيديولوجية اليمين المتطرف واليمين الشعبوي ، مع نهج الحركة الصهيونية العالمية ، ويستمرون في لعب الدور المطلوب منهم لأنهم رفضوا حل القضية اليهودية في اطار  المجتمعات الأوروبية خلال الحرب العالمية الثانية وحتى ما قبل ذلك وحتى يومنا هذا ، ولذلك لا نشعر بمواقف حاسمة حتى من الدول الاوروبية من أجل إنهاء الاحتلال اولا ، في ظل نوع من التبعية لسياسات الدولة العميقة بالولايات المتحدة المعادية لحقوق الشعوب .

لقد ضحت الحركة الصهيونية العالمية بإعداد كبيرة  من اليهود في جرائم الحرب العالمية الثانية بالتعاون مع النازيين انذاك الذين سهلوا هجرة اليهود الي فلسطين وفق اتفاقية "هافارا " مقابل المال ومحاولة تفريغ أوروبا من اليهود الذين ضاق منهم الأوروبيين لسيطرتهم على مفاصل المال هنالك انذاك .

 في أعقاب الهولوكوست ، وهي بالمناسبة كلمة يونانية الأصل استغلتها الحركة الصهيونية واحتكرت استخداماتها ، الذي لم تستهدف اليهود وحدهم من قبل النازيين بل العديد من الشعوب الأوروبية وذوي الامراض والاعاقات والجوعى ، وهو أمر بغيض بالكامل يندرج في إطار جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ، فقد تجاهلت الحكومات الأوروبية وكذلك الولايات المتحدة المناشدات المختلفة لمعاملة إعادة توطين اليهود المشردين كواجب والتزام العالم بأسره ورفض تخفيف القيود المفروضة على الهجرة ، مما أجبر معظم اليهود الاوروبين على السعي لبناء حياة استعمارية جديدة في فلسطين في إطار تنفيذ اتفاقيات ومؤامرات مختلفة بين الحركة الصهيونية والمانيا النازية في استغلال اليهود في تنفيذ المشروع الاستعماري الصهيوني على حساب السكان الأصليين الفلسطينين ووجودنا على ارضنا وعلى حساب مستقبل اتباع الديانة اليهودية أنفسهم ، على الرغم من أن الكثير من اليهود كانوا يفضلون الاستقرار في مكان آخر أو في بلدانهم الأوروبية الأصلية، وما زال العديد منهم يقفون في معارضة فكر الحركة الصهيونية وممارسات الاحتلال والابرتهايد ويرفضون مساواة معاداة الصهيونية بمعادة السامية ، تلك النظرية التي تحاول الحركة الصهيونية فرضها وممارسة الابتزاز على أساسها بعلاقاتها مع الغير وقامت بإنشاء التحالف الدولي بخصوصها .

 حتى يومنا هذا ، نلاحظ أن الغرب الأوروبي لا يزال يعيش في ظل عقدة خوف من ما رسخته الحركة الصهيونية التي تمتلك مفاصل مالية عديدة في أوروبا ، في أذهان العديد من الأوروبيين ، والتي تساوي انتقاد سياسات إسرائيل بمعاداة السامية وتجريم اتهام الصهيونية بالعنصرية .

  إن العديد من الأوروبيين والذين يخوضون حربا بتعليمات السياسة الأمريكية وتحالف الناتو  من أجل تحطيم القوة الروسية الصاعدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في وجه هيمنة احادية القطب الأمريكية بالتعاون مع الناتو  ، ولا سيما أولئك الذين يقدمون الدعم إلى زيلينسكي اليهودي الصهيوني النازي ، ينتمون إلى أيديولوجية اليمين المتطرف واليمين الشعبوي والمتحالفون مع نهج الحركة الصهيونية العالمية والمحافظين الجدد والإنجيليين بالولايات المتحدة  ، يستمرون في لعب الدور المطلوب منهم استمرارا لرفضهم حل المسألة اليهودية في إطار المجتمعات الأوروبية التي ابتدأت خلال الحرب العالمية الثانية أو حتى قبل ذلك ، ولذلك نرى أن الغرب الأوروبي لا يشجع عودة إعداد من اليهود لديارهم الأوروبية،  وهو عاجز عن التقدم بمبادرات جادة لانهاء الاحتلال والظلم التاريخي الواقع على شعبنا الفلسطيني منذ اكثر من سبعة عقود من الزمن ، وهو أيضا يقف في تناقض مع اسس نشؤ الاتحاد الأوروبي التي تدعو إلى حقوق الإنسان والديمقراطية والحريات ، حتى أن كثير من قادة الغرب الأوروبي ما زالوا يصفون دولة الاحتلال بواحة الديمقراطية بالشرق الأوسط ويتشاركون معها في اتفاقيات مختلفة ، ويرفضون فرض إجراءات عقابية بحقها ،  رغم كل الازمات والتحديات التي  تعيشها إسرائيل. 

 ان الحقيقة الواضحة وكما اشار لها فلاديمير لينين هي أن الصهيونية كانت ولا تزال حركة معادية للسامية تتلاعب بالرواية الدينية اليهودية وتستغلها من أجل مصالحها الاستعمارية السياسية وتفترض باليهود شعباً دون وجه حق تاريخي أو قانوني ، وان الحركة الصهيونية هي حركة عنصرية الامر الذي اشار له لافروف عند حديثه عن هتلر ، كما و أكده لاحقا عام ١٩٧٥ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة  قبل أن يتم إلغائه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وبضغوط من الولايات المتحدة وحلفاؤها ، فإن الحركة الصهيونية ما زالت تعيش على استغلال دماء ضحايا الحرب العالمية الثانية وبالاخص اليهود منهم وعلى استمرار تقديم نفسها كضحية أمام العالم ، خاصة في ظل الازمات المتتابعة الداخلية التي تعيشها وتعصف بهويتها التي تريدها كدولة يهودية خالصة وفق قانون القومية العنصري الذي أقره الكنيست فيها قبل أعوام ، وفي ظل مواجهة الانتقادات المتزايدة لها من منظمات حقوقية وجماهيرية ودولية وحتى يهودية حول العالم .
ان إسرائيل قد حسمت موقفها واكدت مكانتها الطبيعية مع الولايات المتحدة وقوى الاستعمار بالعالم في محاولة للابقاء على النظام العالمي احادي القطب وفي معاداة حضارة وثقافة الشرق ، قناعة منها في ان ذلك سيساهم في استدامة احتلالها الاستيطاني وتمييزها العنصري ويبقيها محمية مدللة . 
ان التاريخ لا يعود إلى الوراء ، بل يتقدم ويتغير دون ثبات ، والأمور والعلاقات الدولية لن تبقي كما كانت خاصة وأن العالم أصبح منخرطا في التحولات الجارية لتغير النظام العالمي الاحادي باتجاه تعددية الاقطاب ، والذي سيشهد عدالة اكثر للشعوب المضطهدة وتثبيت مبداء حق تقرير المصير  وانحصار دور مجمعات الصناعات العسكرية والمالية تحديدا بالولايات المتحدة والتي ترسم سياسات العداء للشعوب وتعمل على إثارة النزاعات والحروب.