في القرن الحادي والعشرين تشهد مدينة القدس المحتلة مساعي محمومة لممارسة طقوس دينية يهودية في باحات المسجد الأقصى، وهي جزء من سياسة السيطرة على المكان واستبدال تدريجي لصرح  إسلامي عربي فلسطيني مقدس قائم ومعترف به في قائمة التراث الإنساني، استبداله بمكان مقدس أسطوري بلا معالم وغير مسنود بعلم الآثار وأبحاث التاريخ وغير معترف به من المؤسسات الدولية المرجعية لأنه غير موجود. الغريب في الأمر أن حكومات بينيت ونتنياهو وشارون على مدار عقدين من الزمن، تحتضن هذه العملية بالمواربة أحياناً وبالمباشرة في أحيان أخرى، وتدعي في الوقت نفسه انها ملتزمة بالوضع القائم الذي جرى اعتماده بعد الاحتلال الإسرائيلي لمدينة القدس في العام 1967.
تحتضن حكومة الاحتلال جماعات الهيكل المتطرفة التي تحاول ممارسة الطقوس الدينية اليهودية خلافاً لادعائها بأنها ملتزمة بالوضع القائم. ايهود براك في مقالة بعنوان «اسرائيل خطر على نفسها» يستبعد فيها كل الأخطار بما في ذلك الخطر النووي الإيراني، ويتحدث عن خطر الحلف غير المقدس بين المتهم الجنائي - يقصد نتنياهو وبين متطرفي التزمت الظلامي -بن غفير-، خطر حرب دينية بين اسرائيل والاسلام، ويعتقد ان اتفاقات إسرائيل مع مصر والاردن والامارات والبحرين والمغرب والسودان لن تنجو من هذه الحرب. ولفت الأنظار الى تهديد رئيس الحكومة بينيت وعائلته من قبل المتطرفين اليهود، مذكراً باغتيال اسحق رابين رئيس الحكومة السابق.  مسار الحرب الدينية دشنه الإرهابي غولدشتاين مرتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي، ولم تغلقه الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، بل تسعى الى مفاقمته بسياساتها التي تتنكر لحقوق شعب بأكمله، وتستخدم اقتحامات المسجد الأقصى ورفع وتيرة الاستيطان وهدم بيوت ومزارع المواطنين الفلسطينيين للحفاظ على الائتلافات الحاكمة التي جلها من اليمين الاستيطاني الديني والقومي.   
جاء في صحيفة «يديعوت أحرنوت» ان سبب قيام الشابين صبحي صبيحات وأسعد الرفاعي بقتل ثلاثة إسرائيليين، هو الانتقام بسبب الأحداث في المسجد الأقصى، وتضيف الصحيفة ان الشابين أبديا استعدادهما للموت من أجل الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى، وأن هذا ايضاً كان الدافع لمنفذي عملية أريئيل.
 صحيح أن الاعتداء على المسجد الأقصى وانتهاك حرماته لعب دور المفجر، غير أن سياسات نظام الابارتهايد الاستعماري المتصاعدة هي الحاضنة التي تنبثق من أتونها ظاهرة العمليات الفردية التي عادت بقوة في هذه الأثناء.
فقد سمحت محكمة العدل العليا مؤخراً بأن تطرد نحو ألف فلسطيني من مسافر يطا من بيوتهم في صالح تدريبات الجيش، كما جاء في صحيفة هآرتس. وتزمع حكومة بينيت المصادقة على بناء أربعة آلاف وحدة سكنية في مستعمرات الضفة في محاولة لإنقاذ وجودها وعدم خسارة أصوات اليمين.
 ان تدمير أفق الحل الذي ينهي الاحتلال ويرفع السيطرة عن شعب ويحافظ على الرموز الدينية والوطنية، المترافق مع عجز السلطة والمنظمة على مواجهة الوقائع الاستعمارية والاستفزازات اليومية، والمترافق مع عجز المعارضة عن شق مجرى جديد للمضي في عملية التحرر الطويلة التي لا بديل عنها. في غياب خطة او سياسة او برنامج واستراتيجية، للموالين والمعارضين، يسود العمل العفوي وردات الفعل على شكل هبات لحماية المسجد الاقصى والحيز العام في محيطه وفي باب العامود، ولحماية كنيسة القيامة ولمنع البؤر الاستيطانية في بيتا وبرقة وكفر قدوم ولمنع تمدد جدار الفصل العنصري.
 وبين فترة وأخرى تتصدر المشهد العمليات الفردية والرد العنيف على الاستباحة الإسرائيلية من قبل فئة من الشبان والشابات. المزاج العام الذي يسوده حالة من الاحباط واليأس، لا يرى أمامه إلا هؤلاء الشبان الذين تحدوا الاستباحة الاسرائيلية بطريقتهم الخاصة بعيداً عن الخسارة والربح والمشروعية وغير ذلك من نواظم الاحزاب والتنظيمات التي يهمها دعم وتأييد نضالها لدى أوساط عالمية، وعلى الأقل ان لا تكون محط إدانة ورفض المؤسسات والمنظومات الدولية والحكومات الصديقة وغير الصديقة لنضالها، وان لا يسجل عليها انتهاكات من الوزن الثقيل.
يلاحظ أن الشبان المبادرين للرد على الاستباحة يحظون باحتضان ودعم وتأييد المزاج العام الذي ليس لديه أي حسابات سياسية وقانونية. ومن الشواهد اللافتة على ذلك، قيام أحد المشاغل بوضع صورة بندقية ام 16 على قميص «تي شيرت» في اشارة الى البندقية التي استخدمها الشهيد رعد منفذ عملية بني براك، لقي هذا القميص إقبالاً لافتاً على شرائه أو اقتنائه وقد بيعت منه 15 الف قطعة في غضون 5 أيام. لا يخلو هذا التسويق السريع من مغزى التأييد والدعم الشعبي للشهيد، بما في ذلك استبدال البندقية الأميركية التي يستخدمها جيش الاحتلال وتحويلها الى رمز، بعد عقود طويلة من رمزية البندقية الروسية - الكلاشينكوف - التي اشتهرت بها الثورة الفلسطينية طوال الوقت.
المزاج وظاهرة الرد الانتقامي هما نتاج لحالة إنكار الحقوق واستباحة الرموز والكرامة وشيطنة الفلسطيني من قبل دولة الاحتلال. قد يكون ذلك مفهوماً في تفسير ما يحدث.
 ولكن ما هو غير مفهوم وغير طبيعي هو ركوب تنظيمات وكادرات في المستويين السياسي والثقافي لموجة المزاج والعمليات. بدلاً من رسم سياسة وصياغة تكتيكات ومبادرات نضالية تشرك فيها اعداداً متزايدة من المواطنين وتدمج الشبان المتمردين في النضال، وكل ذلك استرشاداً بالمصلحة الوطنية العليا لعموم الشعب.
إن الالتحاق بالمزاج والنفخ فيه يفقد الحركة السياسية والنخبة الثقافية والشعب البوصلة، ومن أبرز مظاهر ذلك، تبنّي «داعش» وبعض الفصائل لعملية النقب في وقت واحد، ولم تبادر تلك الفصائل إلى فك الارتباط مع «داعش» في مثل هذه الحالة، وحتى في حالة قيامها بعمليات ضد إسرائيل مع انها لم تفعل ذلك. سابقاً حاربت الفصائل او استنكرت عمليات «داعش» في سورية والعراق وهي محقة، لكنها تقاطعت مع هذه الفصائل في عملية النقب وهذا يشكل افلاسا منقطع النظير.
 كان خطاب التبشير بمحاكاة الحرب الدينية خاوياً ومسيئاً لقضية شعب ينشد حريته، وبالمثل فإن وضع خطوط حمر والتراجع عنها وتوجيه الشعب الى المقاومة وتحديد مدى زمني لإنهاء الاستيطان، لا يمكن تفسير كل ذلك الا بمحاولة ركوب موجة المزاج وانتقام الشبان بطريقتهم الخاصة. مقابل ذلك ان وقوف السلطة والمنظمة في موقف أقصاه إدانة الاستباحة الإسرائيلية والهجمة الاستيطانية، والسكوت على مواقف الدول العربية المطبعة التي تستخدمها دولة الاحتلال في تصعيد حربها على الشعب الفلسطيني، هذا الموقف يعبر عن العجز الفلسطيني الرسمي في الدفاع عن الشعب. تغيير السياسات والمواقف والخطاب بات حاجة ضرورية وأولوية.