عادت فلسطين الى مكانتها ‏كقضية كادت ان تنسى من ‏خلال ما احدثه اغتيال ‏شيرين ابو عاقلة، من ردود ‏فعل فلسطينية واقليمية ‏وعالمية.‏

وفي اوج الحرب العالمية ‏الثالثة التي تجري فصولها ‏الساخنة على ارض ‏اوكرانيا، وفصولها الاكثر ‏تعقيدا على مستوى العالم ‏كله، ادخلت موقعة شيرين ‏القضية الفلسطينية، كقضية ‏اجماع عالمي في مجال ‏الاهتمام والتعاطف، فكل ‏المتحاربين على مستوى ‏الكون كله توحدوا على امر ‏واحد هو ادانة ما حدث، مع ‏توجيه اصبع اتهام كوني ‏نحو إسرائيل. ظاهره قتل ‏فتاة فلسطينية وهي تؤدي ‏واجبها المهني، ومضمونه ‏ادانة للاحتلال الذي قتل ‏الفتاة من جنين وفي جنين، ‏كما قتل كثيرين قبلها وسيقتل ‏كثيرين بعدها، وهذه سنة ‏الاحتلال.‏

كان المشهد مكتمل العناصر ‏التي تعري الدولة المتباهية ‏دوما بحضاريتها المتفردة في ‏صحراء "التخلف العربي" ‏فإين الحضارية في قتل ‏صحافية برصاص قناص ‏عسكري، وذلك يعني ان ‏القتل لم يكن عشوائيا بل كان ‏مقصودا، وأين الصدقية ‏المدعاة في تبرير ما لا ‏تبرير له، كالقول.. ان كل ما ‏تفعله إسرائيل بالفلسطينيين ‏هو من قبيل الدفاع عن ‏النفس، حتى صار للقتل ‏لازمة تبريرية تبناها ‏الامريكيون تقول.. ان من ‏حق إسرائيل عمل أي شيء ‏لتوفير الامن لمواطنيها! ‏وأين المنطق في الرواية ‏الإسرائيلية حول ما حدث، ‏حين بررت اعلى المستويات ‏الحكومية عملية القتل، أولا ‏على انها فلسطينية ثم ضائعة ‏بين الفلسطينيين ‏والإسرائيليين، ما يبرر وان ‏بسذاجة مفرطة طلب الجناة ‏بأن يجري التعامل معهم ‏كشركاء في لجنة تحقيق، ‏ويبدو لي ان القول الدارج " ‏كاد المريب ان يقول ‏خذوني" وجد من اجل ‏الرواية الإسرائيلية.‏

لم يشتر هذه الرواية حتى ‏اقرب حلفاء وداعمي ‏إسرائيل ذلك لأن للكذب ‏حدود.‏

المسألة ليست كما رغبت ‏الرواية الإسرائيلية اظهارها ‏كقضية جنائية ملتبسة، ‏وصدقية المريب الذي يقول ‏خذوني، كرستها موقعة ‏الجنازة وهي أيضا موقعة ‏مكتملة الشروط في امر ادانة ‏إسرائيل.‏

في الجزء الثاني من الموقعة ‏هجوم الشرطة على النعش، ‏كما لو انه سلاح دمار شامل ‏يهدد امن الدولة وهجوم على ‏العلم كما لو انه حزام ناسف ‏في طريقة الى الانفجار ‏والاستماتة لاسقاط النعش ‏عن الاعناق واقتحام ‏المستشفى والمقبرة كما لو ان ‏هذه الأماكن التي ترقى ‏مثيلاتها الى مستوى القداسة ‏عند كل الشعوب هي في ‏إسرائيل مجرد هدف ‏عسكري يستباح احتلاله، ‏والتنكيل بمن فيه، ومن اجل ‏ماذا؟ من اجل الحفاظ على ‏امن الدولة ونظام الاحتلال.‏

الرواية الساذجة الثانية هي ‏ان الذي حدث في موقعة ‏الجنازة كان تصرفا ذاتيا من ‏قبل افراد الشرطة بالغوا ‏قليلا في أداء مهامهم، اذا هي ‏مخالفة فنية، ربما يكفي ‏الوعد بأن لا تتكرر ثانية، ‏غير ان هذا ثبت وفي يوم ‏ليس ببعيد انه نهج عمل فهو ‏تكرار لما حدث مع جنازة ‏شيرين وهي جنازة الشاب ‏الشهيد وليد الشريف في ‏القدس.‏

دفنت شيرين ودفن الشريف، ‏والسؤال الذي يطرح بقوة ‏بعد رمضان وايار الراشحين ‏بالدم، ما الذي دفن مع ‏الجثامين وما الذي ينبغي ان ‏يدفن في الواقع؟؟؟؟

دُفن مع اخر الجثامين بقايا ‏أوسلو بعد احتضار طويل او ‏موت سريري لم يجرؤ ‏المعنيون على تحرير شهادة ‏وفاة لها خوفا من ثقل التركة ‏الكارثية وما خلفته من دمار، ‏ودُفن مع اخر الجثامين كذلك ‏وهم ان القدس هي عاصمة ‏دولة إسرائيل الموحدة، ‏وليس للفلسطينيين فيها اكثر ‏من صلاة مقيدة بالاعتبارات ‏الأمنية وليس عليهم الا ان ‏يشكروا. ‏

هذا ما دُفن حقا غير ان ما ‏ينبغي ان يدفن هو الاقتتال ‏الفلسطيني الفلسطيني على ‏الوهم، والمقتتلون يدركون ‏ان بلاطة قبر ثقيلة تجثم على ‏انفاسهما معا، وما ينبغي ان ‏يدفن كذلك هو التهميش ‏والتجاهل والالغاء لدور ‏الشعب في صنع حاضره ‏ومستقبله مع انه وفي كل ‏مرة شارفت فيه القضية على ‏الموت في ظل طبقة سياسية ‏متشبثة بالعجز وانعدام ‏الفعل، كان الشعب من ينقذ ‏الموقف ويعيد القضية الى ‏مكانتها وليس على الوجهاء ‏الا الطفو على السطح وكأنهم ‏صناع ما لم يصنعوا.‏
نحن نعيش تحت وطأة ثنائية ‏هي الاغرب في الماضي ‏والحاضر، قوامها قضية ‏تتقدم وحل يبتعد ...!!‏

بيدنا وليس بيد غيرنا ان ‏نصحح المعادلة ولكن ....‏