كثر الحديث عن نتائج انتخابات مجلس طلبة جامعة بيرزيت وهو حديث ليس جديداً بشكل عام حين يتعلق الأمر ببيرزيت. وربما أن النتائج غير المتوقعة للبعض هي ما أثار هذا الحديث. وتعدى النقاش والدهشة حدود «فتح» ودوائرها التنظيمية ليطال الكثيرين من الحركة الوطنية الذين رأوا في نتائج الانتخابات إزاحة للتيار الوطني من جامعة كان ينظر لها أنها معقل من معاقل الفكر المتنور، ناهيك عن حضور اليسار القوي تاريخياً فيها وترؤسه لمجالس طلبتها سابقاً. ما جرى في انتخابات هذا العام كان مختلفاً بشكل كبير وبشكل لافت وصادم. أساس هذه الصدمة هو الفارق بين ما حصلت عليه الكتلة الإسلامية وبين ما حصلت عليه كتلة الشهيد ياسر عرفات (الشبيبة).
وهي صدمة في محلها في كل الأحوال ولا يمكن الانتقاص من هولها إلا إذا كان هذا الانتقاص يهدف إلى السعي لاستعادة الكرة والذهاب نحو المستقبل من أجل تصحيح الأخطاء التي بات واضحاً أن الكثير منها ذاتي حين يتعلق الأمر بحركة فتح وعدم مقدرتها على ترجمة حضورها الجماهيري إلى حضور في صناديق الاقتراع.
إن التفكير في مسببات ما جرى مهم من أجل استعادة الطريق، كما أن مجرد التفكير في الحاضر من أجل إيقاف عجلة الزمن لن يجدي شيئاً، إذ إن إعمال العقل من أجل المستقبل  من خلال فهم ديناميات الحاضر كان المحرك الأساس وراء تقدم العلم والاختراعات والأفكار الكبرى.
جزء كبير مما جرى يمكن رده لـ»فتح» ومشاكلها وإدارتها للملفات، وأظن أن «فتح» بحاجة لوقوفٍ جاد أمام اللحظة الراهنة من أجل أن تواصل قيادتها للمشروع الوطني الذي لا تشكل هي صمام أمانه فقط بل هي جينه الوراثي الذي يعطيه هويته. فعلى مدار سنوات ورغم كل ما تعرضت له «فتح» من أزمات ومن مؤامرات وانشقاقات وانقلابات وحصار وعداء إلا أنها ظلت دائماً الأقرب إلى وعي الفلسطينيين لأنها تشبههم. فقط مع «فتح» يمكن لأي مواطن لا يعرف السياسة ولا يعرف أصباغ الفكر ولا تأثير جوقات الإعلام أن يشعر بالأمان لأن «فتح» هي الوطنية الفلسطينية الخالصة. لا يحب خصوم «فتح» هذا الكلام لكنهم في قاع قلوبهم يدركون أنه حقيقة، وأن «فتح» وحدها القادرة دائماً على إضاءة الطريق في أشد اللحظات عتمة وهي وحدها من يملك المقدرة على صوغ المستقبل، والوقوف سداً منيعاً أمام الانهيارات. وربما نظرة سريعة إلى التاريخ الفلسطيني تعطي هذا الانطباع وهو مقدرة «فتح» على تلمس حاجات الناس وفهم الواقع وتقديم إجابات لكل ذلك. ورغم أن الفتحاويين يحبون التاريخ واستعادة الماضي الذي صنعته تضحياتهم والذي يشكل ذروة الكفاح التحرري الوطني الذي خاضه الفلسطينيون إلا انهم أيضاً بدؤوا يشعرون بالقلق من أن التاريخ وحده قد لا يكفي في المستقبل لأن استحقاقات الحاضر باتت أكثر شدة. هذا يفسر الدهشة والصدمة التي أصابت أبناء الحركة بعد نتائج الانتخابات.
ربما يفسر كل هذا حقيقة أنه فقط حين تخسر «فتح» يندهش الجميع. وبقدر ما في هذه الخسارة من ألم إلا أنها تعطي انطباعاً واحداً أن الجميع حتى خصوم «فتح» يؤمنون أن «فتح» يجب أن تكون في الطليعة، يجب أن تفوز. أليس هذا ما يجري! إذا ربحت «فتح» لا أحد يتحدث، يبدو الأمر وكأنه يجب أن يحدث ولكن حين تخسر «فتح» فإن الجميع يعلق ويحلل ويفسر ومنهم من يفرح ومنهم من يحزن ومنهم من يتردد ولكن جميعهم يصابون بالدهشة، لأن الأساس أن تفوز «فتح». وهذا يعكس إيماناً حقيقياً خفياً لدى الجميع بقوة الفكرة الفتحاوية وصدقها.
مثلا، قد تفوز «فتح» في نقابة المحامين قبل يومين من خسارتها في بيرزيت، وقد تكون فازت في انتخابات فلسطين الأهلية قبل أسبوع ولكن الجميع لا يبدو متفاجئاً من ذلك بل يندهشون ويصدمون من خسارتها. رغم أن انتخابات محامي فلسطين في غزة مثلاً اكثر أهمية من بيرزيت لأكثر من سبب يمكن سردها في غير هذا الموضع. فعلى الأقل بيرزيت لم تعد جامعة الكل الفلسطيني الذي تجد عشرين بالمائة من طلابها من غزة مثلاً كما في السابق وعشرين آخرين من شمال الضفة ومثلهم من جنوبها، فجل طلبة بيرزيت من رام الله والقدس وعشرات من كل محافظة، مثلاً من غزة فقط أقل من تسعين طالباً من أصل 15 ألفا مثلاً، فيما محامو غزة يمثلون خمس محافظات في قطاع يزيد عدد سكانه على مليونين. هذا مجرد مثال صغير لتبيان أن ما يثير الاستغراب أن «فتح» تخسر وليس أنها تربح. وهذا يجب أن يحمّل الفتحاويين المزيد من العبء للتفكير في عدم حدوث ما جرى مرة أخرى.
الأمر أكبر من مجرد خطأ فتحاوي رغم تحمل «فتح» جزءاً من ذلك. جزء كان يجب وفقه العمل أكثر من أجل تحويل القوة الجماهيرية إلى قوة انتخابية وفي قلب ذلك تصويب الأمر بشكل أوضح. ولكن جزءا من المشكلة أن الجامعة الأكثر علمانية ومدنية هي الأكثر جذباً للتيار الديني مثلاً. وهذا سياق يجب أن تجيب عنه إدارة الجامعة وتبحث عن السبب. أيضاً في الجامعة التي تقع في معقل اليسار الفلسطيني وتكويناته يكاد يختفي تمثيل بعض الأحزاب اليسارية بشكل كامل. «فتح» واجهت مشكلة وعثرة كبيرة ولكن بالعمل الدؤوب وإعادة البعث الفتحاوي يمكن لـ»فتح» أن تجد نفسها رابحة المرة القادمة لأن هذه ميزة الانتخابات فحين تخسر لن تخسر للأبد، ولكن ماذا بشأن مكونات اليسار الأخرى وماذا بشأن شكل وهوية الجامعة.
أظن أن الأمر ليس أكبر من حدود الجامعة لكن على كل طرف أن ينظر إليه بوصفه مشكلة كبيرة حتى يتم تجاوز حدود المشكلة الحقيقية.