تأخذ مسيرة الاعلام التي من المفترض أن تنظم في القدس الأحد 29/5/2022 صخبا وأهتماما أستثنائيا هذا العام،أذ يخطط غلاة المستوطنون المتطرفون لاحياء ذكرى يوم الاستيلاء على الجزء الشرقي من القدس،باقتحام كبير للمسجد الأقصى،وبمسيرة أعلام أسرائيلية ضخمة،يعوضون من خلالها أخفاق مسيرة العام المنصرم التي تشتت تحت وقع صواريخ المقاومة القادمة من غزة،ويعد يوم"توحيد القدس" عيدا وطنيا لاحياء ذكرى أستكمال سيطرة دولة الأحتلال على باقي مدينة القدس،وذلك في اعقاب حرب حزيران العام1967 ،ويشارك في هذا الأحتفال ما يقارب(30)الف من اليهود القوميين،يتوافدون الى المدينة ويسيرون في شوارعها وأزقتها،لاحياء هذه الذكرى المشؤومة،ويحمل المشاركون الاعلام الأسرائيلية وينشدون الأغاني القومية ويتخللها ما يسمى برقصة الأعلام،وتنطلق المسيرة من مكان التجمع المتفق عليه غربي القدس،وتمر من باب البلدة القديمة وهما باب الخليل وباب الحديد وصولا الى باب العامود،وقد دأبت دولة الأحتلال على هذه الاحتفالات منذ العام 1974،لكنها توقفت في الفترة ما بين العام 2010 الى 2016،بسبب المواجهات التي كانت تندلع بين المشاركين في المسيرة والفلسطينين.
في خضم هذا المشهد السياسي المحتدم والمشتعل، وبعد موافقة حكومة الأحتلال على مسار المسيرة السنوية،وبعد اتخاذها اجراءات أمنية مشدد في القدس الشرفية والضفة الغريبة،ازدادت مخاوفها ،من أن تترك مسيرة الأعلام المقررة في ذكرى استكمال احتلال مدينة القدس،تأثيرها على مستقبل الحكومة الهشة،في ظل ما سيواجه هذه الفعالية من ردود فعل فلسطينية غاضبة،وهذا ما سيضع قادة تحالف حكومة الأحتلال في شر خطير،لأنه يعني المخاطرة وعدم أخذ تهديدات حماس على محمل الجد،وبالتالي تقع تلك الحكومة تحت خطر الصدمة والتفكيك،لأنها موافقتها على المسيرة هو بمثابة مغامرة غير محسوبة المألات،وهي أيضا بمثابة اختبار لصبر قائد حماس قي قطاع غزة يحيى السنوار،والذي هدد دولة الأحتلال بانه اذا مرت مسيرة الاعلام من باب العامود،فتسطير الصواريخ فوق القدس المحتلة،فدولة الاحتلال تسير بعيون مفتوحة وبصيرة عمياء نحو بداية السقوط في قعر الجحيم،حيث ان التراجع عن مسيرة الاعلام حسب المفهوم الأسرائيلي معناه تكريس الربط بين غزة والقدس،وهذا يما يمس مساسا خطيرا بالامن القومي الأسرائيلي،وقد رفع جيش الاحتلال جهوزيته لهذه المواجهة من خلال مناورته في عربات النار. .
في هذه الأجواء الأحتفالية التلمودية، وأمام واقع عربي مأزوم ومشرذم ومنبطح ومفلس،تأتي هذه الفعالية في هذه العام في ظل تطبيع وخذلان عربي هو في جوهره تنازل عن فلسطين والقدس تركها تقف وحيدة امام دولة الاحتلال،وكذلك بعد اسابيع عديدة من حالة احتدام معركة الأعلام في مدينة القدس،خاصة بعد تكرار رفع العلم الفلسطيني مؤخرا في المسجد الأقصى او في جنازة الراحلة شيرين أبو عاقلة،في مشاهد دفعت بالكثير من المحللين للقول بأن دولة الأحتلال بدأت بفقدان السيطرة على المدينة التي تدعى بأنها عاصمتها الموحدة،مما يؤشر بأن عنوان الصراع في القدس هو صراع على السيادة،والأعلام أحد أهم رموز السيادة،فكلما أقترب العلم الفلسطيني من المسجد الأقصى ومحيطه،يشعر الاحتلال بفقدان سيادته الوهمية على المدينة،وفي حالة سارت مسيرة الأعلام والأوهام حسب ما اقرته حكومة الاحتلال ضمن المسار المعتاد مرورا بباب العامود والحي الأسلامي،وأزاء حالة الغضب الفلسطيني المتعاظم بسبب قيام الجماعات المتطرفة بعدة اقتحامات سابقة للحرم القدسي الشريف،فأن ذلك يمثل صاعق لبرميل البارود،وبداية الأنفجار الحتمي الكبير،باعتبار أن المساس بالمسجد الأقصى هي وصفه لانطلاق شرارة حرب دينية لا تبقي ولا نذر،خاصة بعد أن صعدت جماعات الهيكل والمنظمات المتطرفة من تصريحاتها العدوانية تجاه المسجد الأقصى،وما زالت تحشد المزيد من المؤيدين للمشاركة في تنفيذ اقتحامات باعداد كبيرة للمسجد الأقصى،ومن اكثر الدعوات تطرفا،تلك التي صدرت عن زعيم منظمة لاهافا المتطرفة بنتسي غوبشتاين الذي دعا لاعتبار اقتحام المسجد الاقصى بمناسبة توحيد القدس هو يوم البدء بهدم قبة الصخرة المشرفة .
ما من ريب يمكننا القول بأن نذر الحرب الدينية بدأت تلوح في الأفق السياسي القريب، وأنه وبنظرة استشرافية لما قد يحدث في مسيرة الأعلام والأحلام،وما بين يدي سنياريوا الأنهيار خلال تلك المسيرة الأثمة،قد تحدث صدامات كبيرة بين الفلسطينين وقوات شرطة الاحتلال والمتطرفين اليهود،ثم تاخذ تلك الصدامات طابعا اكثر شدة ضد الفلسطينين وممتلكاتهم في القدس،خاصة وان منظمة لافاها الاجرامية الذي تربى اتباعها على كره العرب والمسلمين هي من تتصدر الدعوات والتنظيم لهذه المسيرة،والسيناريوا الأكثر قتامة وخطورة يتمثل في فقدان جيش الاحتلال السيطرة على المتطرفين اليهود ويندفعون بشكل جماعي نحو المسجد الأقصى ويقتحمونه،ويعيثون فيه فسادا كبيرا ويحدثون شرا مستطيرا،وقتذاك تكون بمثابة اشعال فتيل لحرب دينية دامية،وتحدث مواجهات في الضفة الغربية، وايضا من المحتمل ازاء وضع خطير هكذا،ان تقوم حركة حماس بتنفيذ تهديداته والتي اطلقها يحيى السنوار منذ وقت ليس ببعيد بشان المساس بالأقصى،وفي هذه الحالة تزيد حدة الأشتباك والخطورة ،وتقوم حماس بضرب اهم المدن في اراضي العام 1948،وتقصف بصواريخها تلك ابيب وحيفا ومطار اللد وجنوب فلسطين المحتلة،وتقصف مدينة القدس،وترد دولة الاحتلال بقصف غزة قصف شديد ومركز،وندخل في أتون مواجهة جديدة ومفتوحة،فدولة الاحتلال فشلت في اخضاع شعب حر عصي على الانكسار فشلت كل محاولات اطفاء جذوة النضال في ضميره ،ففلسطين قضية يتداخل فيها المقدس بالاستراتيجي والجغرافيا بالديمغرافيا، وهي عنوان الصراع الحضاري كله، بل والارث التاريخي بين الغرب والشرق،ربما تسلبني اخر شبر من ترابي، ربما تسطو على ميراث جدي، من اثاث واوني وخوابي، ربما تحرق اشعاري وكتبي، يا عدو الشمس لكن سأقاوم،سأقاوم،سأقاوم،على ما قال الراحل سميح القاسم .