لا شك أن مسيرة الأعلام اليهودية في القدس وفي المسجد الأقصى تكتسي دلالات دينية وسياسية خطيرة تمس هوية ووجود المسجد الأقصى كمكان عبادة للمسلمين وحمايته والدفاع عنه واجب على كل المسلمين، إلا أنه بالنسبة للفلسطينيين فللقدس والأقصى بعداً وطنياً والفلسطينيون لم ولن يقصروا في الدفاع عن بلدهم وعن القدس والأقصى وهم لن يتوقفوا عن القيام بهذا الواجب مهما كانت التضحيات.
لكن دعونا نفكر ونتحدث بصراحة، أليست مسيرة الأعلام متواصلة منذ 1968؟ صحيح أن عدد المشاركين فيها يتضاعف كل عام كما أصبحت خلال السنتين الأخيرتين تتم برعاية وتحريض رسمي من الحكومة، ولكن احتلال القدس ثم الإعلان عنه عاصمة موحدة لدولة الكيان وقيام الولايات المتحدة بنقل سفارتها في القدس لا يقل خطورة عن مسيرة الأعلام، كما أن الاستمرار في المشاريع الاستيطانية وآخرها موافقة حكومة الاحتلال على بناء أربعة آلاف وحدة استيطانية جديدة لا يقل خطورة عن مسيرة الأعلام، ومواصلة سياسة الاقتحامات لمدن ومخيمات الضفة واغتيال المواطنين حتى النساء والأطفال لا يقل خطورة عن مسيرة الأعلام، فهل نجحت إسرائيل بالفعل في تحويل الصراع إلى صراع ديني وإخفاء أصل وجوهر المشكلة وهو الاحتلال؟.
نتفهم تهديد فصائل المقاومة ووعيدها للاحتلال إن مرت مسيرة الأعلام كما هو مخطط لها، ولكن ماذا لو تم تغيير طفيف على المسيرة فهل هذا سيعتبر انتصاراً للمقاومة وهزيمة لإسرائيل؟ بل حتى إن مرت المسيرة كما هو مخطط لها فماذا سيكون رد فعل المقاومة أكثر مما جرى في معركة (سيف القدس) والكل لمس على الأرض وواقعياً نتائج تلك المعركة؟.
أما بالنسية لتهديد ووعيد محور المقاومة فهو مجرد لغو، فإيران العاجزة عن الرد على إسرائيل التي اغتالت قيادات إيرانية كبيرة لن تتحرك لنصرة الأقصى، وسوريا التي تتعرض لهجمات إسرائيلية متكررة دون رد وتتعرض لاحتلال تركي لن تتحرك لنصرة القدس والأقصى، وحزب الله المتورط في الحالة اللبنانية الداخلية لن يتحرك عسكرياً لنصرة القدس والأقصى، أليس هذا هو محور المقاومة؟ أما من يضيف تركيا وقطر لمحور المقاومة فهذه مهزلة وتضليل؟
لا نقلل من شأن المقاومة العسكرية الفلسطينية في قطاع غزة ولا في غيرتهم الوطنية ورغبتهم في عمل شيء لنصرة الأقصى إلا أن حصر الصراع والمواجهة في حرب صواريخ في صالح العدو الذي يملك قدرات تدميرية هائلة ولا يردعه رادع أخلاقي ولا الشرعية الدولية، كما لا نشكك في مصداقية أطراف محور المقاومة، ولكن حصر الصراع في البعدين الديني والعسكري سيخدم العدو الصهيوني أكثر مما سيخدم القدس والأقصى والقضية الوطنية برمتها لأن العدو يملك القدرة السياسية والإمكانيات العسكرية على توظيف هذين البعدين لصالحه أكبر بكثير من قدرة الفلسطينيين المنقسمين على أنفسهم ومن قدرة عالم عربي وإسلامي منقسم أيضاً لمحاور وغالبية دوله لها علاقة بإسرائيل بل تعززت هذه العلاقة بعد الإعلان رسمياً أن القدس عاصمة لإسرائيل ونقل واشنطن سفارتها إلى القدس.
المقاومة ستتحدث عن انتصار سواء حدثت مواجهة عسكرية على حدود غزة أو بدونها حيث ستقول إن إسرائيل غيرت في مخطط المسيرة خوفاً من صواريخ المقاومة، وفي حقيقة الأمر فإن إسرائيل لا تخشى صواريخ المقاومة في غزة ولا محور المقاومة كله بل كل خشيتها من المرابطين المعتصمين في الأقصى وجموع الشعب التي تدفقت نحو القدس والأقصى وإن كان هناك من انتصار فهو لأهل القدس وشعبنا في داخل مناطق 48 ومن الضفة الذين استطاعوا الوصول للأقصى .
هناك هدف آخر تسعى إليه دولة الاحتلال من مسيرة الأعلام واستمرار محاولات اقتحام المسجد الأقصى وهو التسلل لعقل المواطنين الفلسطينيين والعرب وكي وعيهم بجعل مشهد مسيرات الأعلام واقتحام الأقصى ومنظر المستوطنين بداخله مشهداً عادياً ، ومع كل مسيرة أعلام واقتحام تسجل إسرائيل نقطة لصالحها حتى وإن بدت أحياناً أنها تراجعت نتيجة الضغوط والوساطات الدولية.