تحل علينا اليوم ذكرى تأسيس منظمة التحرير الفلسطينة والتي انطلقت بعد انعقاد المجلس الوطني الأول في مدينة القدس العاصمة الابدية ودرة التاج لما تحمله هذه المدينة من معاني التاريخ منذ الكنعانين الأوائل حتى يومنا هذا ولما تشكله من معنى يعكس مكانتها وهويتها وتراثها الثقافي لنا نحن كشعب صاحب هذه الأرض. 

لقد تأسست منظمة التحرير بحهود المؤسسين الأوائل الذين انطلقوا ليحملوا شعبنا من رماد النكبة إلى نور الثورة المعاصرة لتكون المنظمة هي عنوان جامع للحركة الوطنية الفلسطينية وفق ميثاقها الوطني من أجل تحرير فلسطين ومن أجل الخروج من عباءة الانظمة العربية انذاك التي كانت تحاول امتلاك القرار الفلسطيني ومصادرته والادعاء بتمثيل مصالحه. 

عقود طويلة مرت منذ ذلك التاريخ في عام ١٩٦٤ ، قدم فيها شعبنا قوافل الشهداء والجرحى والاسرى ، عقود تبدلت فيها الظروف السياسية والانظمة العربية وشهد فيها العالم متغيرات كبيرة ادت إلى تبدل قطبية النظام العالمي وتغير اللاعبين على الساحة الدولية واحتلال ما تبقى من اراضي فلسطين التاريخية عام ١٩٦٧ وما ترتب من أوضاع على اثر استكمال هذا الاحتلال الاستيطاني كاداة استعمارية بالمنطقة بهدف تطويعها بما ويتفق مع مصالح الغرب الاستعماري الذي لم يغير من حالة الظلم التاريخي الذي أوقع على شعبنا منذ جريمة النكبة عام ١٩٤٨ وصولا لليوم الذي لم يعد فيه الحديث حول السلام والخيار الدولي بخصوص حل الدولتين من معنى أمام تصعيد جرائم الاحتلال ورفض مجتمعه اليهودي الذي يتجه اكثر إلى معالم الفاشية والابرتهايد والفوقية الدينية .

ان تأجيل الوصول إلى حلول لعدد من التحديات الماثلة أمامنا ، والتعاطي مع ما يسمى بسياسات  ادارة أزمة الصراع دون حلها الجذري التي ينتهجها الغرب وعلى رأسه الادارات الأمريكية المتعاقبة حتى اليوم خاصة في هذه الظروف الدولية المتسارعة التغيير ، سيدخلنا في نفق مظلم قد يصعب رؤية الضؤ في نهايته ، وسنكرر تجربة كان لها جوانب قاسية علينا في بعض جوانبها .

ان التمسك بضرورة إنهاء الاحتلال الاستيطاني القذر كنتيجة واحدة ونهائية يقوم عليها أي مسار سياسي ممكن دون احتكار أمريكي منحاز  أمام المجتمع الدولي هو الأمر الأهم بمقابل اي ضغوطات من شأنها إعادة عجلة التاريخ للوراء بالقبول بتجميلات هنا أو هنالك لوجه هذا الاحتلال الاستعماري من خلال ما يسمى بإعادة بناء الثقة أو "تحسين الاوضاع المعيشية والاقتصادية للسكان" أمام الصلف إلاسرائيلي وتصاعد جرائم الاحتلال وبشاعة الفكر الصهيوني العنصري وتدهور حالة المجتمع الإسرائيلي اكثر إلى العنصرية والفاشية ورفض فكرة السلام وسعية إلى تنفيذ المشروع الصهيوني كاملا .

ان مواجهة ذلك يتطلب صمود شعبنا وتمكينه وتمسكنا بارضنا واستعادة الثقة بين القاعدة والقيادة واعتماد إجراءات تعزز من المقاومة الشعبية فعلا ومن التوجه نحو اعتماد اسس الاقتصاد المقاوم بعيدا عن التبعية ومن أجل الانفكاك عن الاحتلال ، وتوسيع قاعدة تحالفاتنا مع الشعوب والقوى التقدمية وانصار الحرية والديمقراطية والسلام بالعالم والدول المناصرة لحقوقنا الوطنية ولقضايا العدالة والسلام في هذا العالم  ، اضافة الى تمتين وحدتنا الوطنية في إطار منظمة التحرير التي يتوجب توسيع قاعدتها ومؤسساتها ودفع الحياة والحيوية بها كعنوان للتحرر الوطني والبناء الديمقراطي وتوحيد خطابها التحرري أمام العالم .

المنظمة التي دفع شعبنا خلال سنوات الاحتلال الطويلة والمظلمة ثمنا غاليا وواجبا بالداخل والشتات  من أجل صونها ووحدانية وشرعية تمثيلها لشعبنا وخاض المعارك في ساحات متعددة من أجل الحفاظ على القرار الوطني المستقل بها بعيدا عن أي تدخلات أو ضغوط عليها . لذا لا يمكن اليوم لشعبنا الذي حملها وحماها القبول بمحاولات فرض اية شروط عليه تنتقص من الحق الوطني السياسي والسيادي عليه من جديد تحت مسميات عملية سلام غير جادة بهدف الاستفادة من الوقت واستدامة الاستيطان وتهويد القدس والاغوار والخليل بعد هذه المسيرة الكفاحية الطويلة ،  أو القبول بمحاولات القوى الظلامية استحداث البدائل المشبوهة بالتعاون مع قوى دولية لا تريد الخير لشعبنا .

أن منظمة التحرير التي نستذكر تاسيسها اليوم والتي خضنا مراحل صعبة ومعقدة للحفاظ على كينونتها كبيت جامع للكل الفلسطيني الوطني ، فهي وقبل ان تكون  الممثل الشرعي الوحيد لشعبنا في كافة أماكن تواجده ، هي قائدة الكفاح في مرحلة التحرر الوطني حتى وصولنا إلى دحر الاحتلال نحو الاستقلال الوطني والحرية وعودة لاجئينا ضحايا النكبة وفق القرار ١٩٤ وإطلاق سراح الأسرى الابطال كذلك جثامين الشهداء من مقابر الأرقام .

المنظمة هي من حافظ على نهج العمل الوطني الثوري ببعده الإنساني التقدمي وثقافتنا المتعددة والمنسجمة في اَن وعلى الخلاف في إطار الوحدة. 

هي العنوان الذي يتوجب ان نستمر به إطارا وحدويا ديمقراطيا كفاحيا في خوض معاركنا على الجبهات المختلفة على الأرض وبالمحافل الدولية في مقاومة هذا العدو صاحب جرائم التطهير العرقي والتمييز العنصري والاحلال السكاني ، حتى وصول شعبنا إلى أهدافه في ظل ما يجري اليوم من تحولات بالعلاقات الدولية وفي مضمون وشكل النظام العالمي تستدعي فهمها وتحديد موقعنا منها وتقيم تجربتنا الطويلة  لبناء رؤية تتسم بوضوح المعالم والبرامج والأدوات حتى يكون لنا مكانا تحت الشمس في هذا العالم نحقق به أمانينا العادلة والمشروعة وبالمقدمة منها حقنا بتقرير المصير أسوة بشعوب العالم الأخرى التي أنجزت تحررها الوطني .