يعتبر قطاع النقل في دول العالم من أهم القطاعات الاستثمارية التي تجني أرباحاً وايرادات للدولة، وهو واحد من أهم روافد السيادة وعوامل القوة وظواهر التطور التكنولوجي. وعادة ما يتم استثمار المليارات من الدولارات لأجل أن تكون صورة البلدة بأبهى رسومها وقوتها وعنفوانها، وجاذبة من مغريات السياحة الخارجية والداخلية. 

ولكن، ونحن نعيش في وطن يسير على نهج "كل من ايده، إله" كم كنا نتمنى العمل باعتماد استراتيجية وطنية عصرية تواكب التطورات التكنولوجية، والتغيرات الديمغرافية، والزيادة السكانية، وشهوة المواطن لاقتناء سيارات له ولعائلته. لقد أصبح لدينا مئات آلاف السيارات تسير في طرق ضيقة، ولا متسع لها في شوارع واسعة. فزادت الحوادث والخسائر البشرية والمادية، كل ذلك بسبب عدم توفر استراتيجية واضحة لقطاع النقل والمواصلات تساهم في إعدادها مؤسسات الوطن كل بحسب تخصصه. 

يواجه وطننا ظواهر قاتلة في قطاع النقل، منها؛ السيارات المشطوبة، التي تعمل بين بيوتنا كأسلحة فتاكة غير مرخصة، ونحن لا نملك القيام بنهج لملاحقتها. فنشهد يومياً حالات الدهس والقتل والاضرار بالممتلكات العامة. وعوضاً عن تعزيز نظام للسيارات العمومية، نعمل دائماً على التضييق عليها، وتحميلها ما لا طاقة لها به. ووهناك ظواهر السيارات الخصوصية التي تعمل كسيارة "تاكسي" وأصبحت تقاسم معيشة السائقين الذين يدفعون الرسوم الحكومية من تعبهم وعرق جلودهم. ولو استمع إلينا المسؤولين منذ سنوات لما وصلنا الى هذه المرحلة الحرجة. 

نحن على قناعة تامة، بأن وزارة المواصلات بحاجة الى تطوير أنظمتها وقوانينها وإعادة هيكلة تعليماتها وقراراتها واستراتيجيتها وبعض الشخوص المسيطرة فيها، فاليوم ليس كما كنا قبل عشرين عاماً، ولإعادة الروح الى قطاع النقل والوقوف الى جانب حقوق المجتمع والسائقين والراكبين وتطوير قطاع النقل العام، ليكون جزءاً من الموارد الأساسية للدولة، وجزءاً هاماً في تسهيل حياة الناس ورفاهيتهم. 

لا شك أن الدول المتقدمة اليوم تتباهى بما وصلت إليه من أنظمة المواصلات العامة التي طورتها، أما نحن اليوم، فنظام النقل العام في فلسطين لم يكن في أي من اللحظات جزءاً من أي انجازات قد نتباهى بها. فنحن اليوم نلاحق المركبات العمومية التي تمر بظروف بالغة التعقيد، على أثر أزمات اقتصادية متعاقبة، نلاحقها وهي تحاول الخروج من جائحة أعادتنا الى الحضيض، بينما مواقف المركبات الخصوصية الى جانبها ولا يتم الاقتراب منها. أي ظلم نعيشة؟ وزارات متعاقبة لم تحقق قفزة في عالم النقل العام. فالتغيير مطلوب فوراً لاعادة وضع القطار على السكة، والتدوير صفة ادارية ضرورية لنجاح المسيرة!

نحن نعيش في وطن، شوارعه ضيقة، وسياراته فارهة وكبيرة. لا خطط لنا ولا استراتيجيات، وهناك احتلال يجثم على معظم الأراضي، ونحن لا نساعد أنفسنا. فلا ميزانيات ولا أفكار ابداعية نحاول اخراجها لتحل الكثير من مشاكلنا. نبحث عن خلخلة في مطبخ الوزارة، ولا نبحث كيف نلغي أزمة في مدينة. 

أطلقت الوزارة قبل 14 عاماً نظام العداد في السيارات العمومية على فرض أنه جزء من حماية المستهلك الراكب، وفرضناه فرضاً دون توعية المواطنين، ودون ابلاغ السائقين عن أنظمته، فلا السائق تعامل به، ولا الراكب وثق فيه. وظل طيلة هذه الفترة عبارة عن شاهد لا يتحدث. فكان من أولى المشاكل التي يتم إجبار السائقين عليها وعلى دفع ثمنها وثمن صيانتها، بملايين الشواكل، دون الإستفادة منه، فأصيح كالجنين الذي ولد ميتا، وقهرنا بحضانته أكثر من أربعة عشر عاماً. ودون أن يتم استخدامه في أي من مراحل السنوات الماضية، ودون قدرة أي وزارة على إلغائه، للتخفيف من كاهل الالتزامات الملقاة على السائقين وأصحاب السيارات العامة. لأن له في زمن الفاسدين مكان، وتلقى دعماً من الغرابيب السود الذين هرب منهم الكثيرون، ومنهم من أُتهِم، وصراعات الشخوص داخل الوزارة على مر السنين. أربعة عشر عامًا نخض الماء. لننتج زبدة؟

لقد وقع قطاع النقل بين مطرقة القانون البالي وسنديانة المواطن الرافض للعداد، مروراً بفشل هذا المشروع ميكانيكياً، وبمرور الأيام، وبالتقادم أصبح خردة. ومع استمرار مطالبة القانون بدوام صيانته التي اصبحت عبئًا علي كاهل السائقين

وأصحاب التاكسي، أصبح التخلص منه حاجة ملحة.إن الطريق الوحيد لتشغيل العداد هي خلق ثقافة جديدة مرتبطة بتطبيق الكتروني يواكب تطور المجتمعات، ونحن ربما نكون من الأواخر في اللحاق بركب العالم والتكنولوجيا والحداثة. هناك بعض محلات السوبرماركت لديها تطبيقات لخدمة الزبائن، بينما نحن نعمل في اقوى القطاعات، لا زلنا نراوح مكاننا بين تعليمات ممكن أن تصدر وتردد في دعم او اغماض العين عن هذا القطاع.

وما زال في جعبتنا الكثير..