قبل سنوات وتحديدا قبل قيام السلطة الفلسطينية كان انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني أو اللجنة التنفيذية أو المؤتمر العام لحركة فتح حدثاً يكتسي أهمية ومحل ترقُب ليس فقط على المستوى الفتحاوي أو الفلسطيني بل على المستوى العالمي أما اليوم فلم تعد هذه الاجتماعات تثير اهتمام أحد، هذا إن اجتمعت أصلا.

 وبالنسبة لحركة فتح العمود الفقري لمنظمة التحرير كان انعقاد  المؤتمر العام حدثا وطنيا تحضره شخصيات وقيادات حزبية ورسمية من عديد الأحزاب والدول الصديقة، وكان ما ينتج عن المؤتمر من بيان أو برنامج سياسي أو توصيات وقرارات لا تنعكس على تنظيم فتح أو على منظمة التحرير فقط بل على مُجمل السياسة الفلسطينية وعلاقة فلسطين بالعالم الخارجي، فالبرنامج السياسي لفتح آنذاك كان بمثابة خارطة طريق وخطة عمل لحركة فتح ومنظمة التحرير وبه تسترشد الفصائل الفلسطينية الأخرى .

كانت اجتماعات اللجنة المركزية ومؤتمرات حركة فتح تنافساً حقيقياً بين قيادات سياسية كبيرة وذات تأثير وكل منها مدرسة نضالية. في المؤتمر العام يتم مناقشة جادة لمجمل القضايا الكبرى ومحاسبة القيادة حيث كان الراحل أبو عمار يتعرض لانتقادات حادة وجادة من الكوادر ومن قيادات أخرى لا تقل عنه ثورية وحضورا شعبيا وفي امتلاكها مؤهلات القيادة.

في المؤتمر العام كانت تتم مناقشة تقارير اللجنة المركزية وقراراتها وأعمالها ومحاسبتها، ومناقشة أعمال الأجهزة والمؤسسات الحركية، وإقرار النظام الداخلي والبرامج السياسية والوضع المالي، ومن حق المؤتمر حجب الثقة عن كل أو بعض أعضاء اللجنة المركزية بأغلبية ثلثي الحاضرين، وانتخاب العدد المطلوب للجنة المركزية للحركة بالاقتراع السري، وانتخاب العدد المطلوب للمجلس الثوري بالاقتراع السري.

بعد تجربة المؤتمرين الأخيرين، السادس في أغسطس 2009 والسابع في نوفمبر 2016،  لم يعد المؤتمر العام لفتح محل اهتمام لا فتحاوياً ولا وطنياً ولا عالمياً. غاب الاهتمام والأهمية بسبب: الخلافات الداخلية، ضعف التنظيم، إجراءات عقابية يمارسها المنتقدون من أعضاء اللجنة المركزية ضد المعارضين لهم، تفرُّد بعض أعضاء اللجنة المركزية بعملية اتخاذ القرار الفتحاوي والوطني، تهميش غالبية أعضاء اللجنة المركزية ، أيضاً بسبب ما شاب المؤتمرَين الأخيرين من لملمة للأعضاء حسب الولاءات الشخصية والعائلية واستبعاد كثير من الكفاءات، ولأن ما صدر عن المؤتمرين الأخيرين من قرارات وبرنامج سياسي بقيت حبراً على ورق كما هو حال قرارات المجلس المركزي للمنظمة، لأن القرار النهائي يتم اتخاذه بعيداً عن إرادة ورأي قواعد حركة فتح ومؤسساتها المنتخبة حتى وإن كان انتخاب هذه الأخيرة محل تلاعب.

 منذ المؤتمر السابع لم يعد تنظيم حركة فتح يتوافق مع متطلبات حركة تحرر وطني أو حتى متطلبات سلطة تؤسِس لدولة بل تحوَّل لحزب سلطة ضعيفة لا تملك رؤية استراتيجية واضحة، لكل ذلك لم يعد أمر انعقاد المؤتمر في موعده أو تأجيله يثير اهتمام أحد لأن نتائج المؤتمر معروفة قبل انعقاده، وهذا ما يجرى مع المؤتمر الثامن الذي كان مقرراً له في مارس وتم تأجيله لشهر مايو لأسباب متعددة ثم تأجل مرة أخرى إلى أجل غير معلوم ولأسباب غير معلن عنها وإن كان كثيرون من قيادات فتح يعلمونها ولا يجرؤون عن الإفصاح عنها .

 لا يمكن الفصل بين المصير الذي آل إليه تنظيم حركة فتح ومؤتمراته ومؤسساته وما آل إليه حال منظمة التحرير ومؤسساتها ومؤتمرات المجلس الوطني واجتماعات المجلس المركزي، فهناك شخصيات نافذة لها حساباتها الخاصة تتحكم في السلطة والمنظمة وفي حركة فتح وتوجه الأمور بما لا ينسجم مع الإرادة الشعبية ومع استحقاقات مرحلة التحرر الوطني، هذا التيار النافذ لا يثق بقدرات وإمكانيات الشعب على إحداث تغييرات أو منجزات أكثر مما أنجزته الطبقة السياسية للسلطة، كما يبرر نهجه بأن موازين القوى مع إسرائيل لا تسمح بأكثر مما هو موجود ويجب انتظار متغيرات إقليمية ودولية تُجبر إسرائيل على تغيير نهجها وتطبيق الاتفاقيات الموقعة وقرارات الشرعية الدولية، كما تبرر نهجها بالوضع في قطاع غزة وكيف أدى نهج الذين رفعوا شعار (المقاومة بديل عن نهج السلطة والتسوية السياسية) إلى الانقسام والحصار وانتشار الفقر والبطالة.

هذه الفئة النافذة المهيمِنة تصادر جمهور حركة فتح وتتفرد في قرارات مصيرية تمس مستقبل القضية الوطنية برمتها وتصادر حق أبناء فتح في اختيار وانتخاب قيادة الحركة المستقبلية، وذلك من خلال تحكُّمها في اختيار أعضاء المؤتمر العام في الحركة، فمن خلال ما لهذه الطبقة من سلطة ونفوذ فإنها تستطيع اختيار أعضاء المؤتمر العام من الموالين لها، وهؤلاء الموالون ينتخبون من بينهم المجلس الثوري واللجنة المركزية، وفي المحصلة فكأن اللجنة المركزية تنتخب نفسها.

إن ما يحز في القلب ويثير الاستغراب في نفس الوقت الغياب والصمت لكثير من كفاءات وقيادات فتحاوية لها تاريخها النضالي الطويل خلال الانتفاضتين وما قبلهما، فهل هو صمت اليأس والإحباط؟ أم صمت الخوف والحرص على الراتب ومستقبل الأبناء بعد أن عاينوا مجزرة الإحالة إلى التقاعد المبكر وخصوصاً للعسكريين وقطع الرواتب؟ أم الرضا والقبول بما يجري وأنه ليس في الإمكان أفضل مما هو كائن وأن المرحلة تتطلب هكذا قيادات وممارسات؟ أم الخوف من أن تؤدي أي انتقادات لحركة فتح إلى إضعافها ومنح فرصة للخصوم  للطعن فيها؟.

أن تكون حركة فتح  أفضل من غيرها من الأحزاب المتواجدة على الساحة الآن لكونها الأكثر تعبيراً عن الهوية والثقافة الوطنية الفلسطينية ومؤسِسة المشروع الوطني التحرري، لا يعني أن حال تنظيم حركة فتح بخير وأن الحركة بتنظيمها وقيادتها الحالية على الطريق الصحيح، فالمقارنة يجب ألا تكون مع ما دونها من الأحزاب بل ما بين واقع تنظيم الحركة من جانب والأهداف التي انطلقت الحركة من أجلها والتضحيات التي قدمتها الحركة عبر تاريخها وما ينتظره الشعب منها من جانب آخر.

تصويب أوضاع الحركة والارتقاء بها لتصبح في مستوى مواجهة التحديات الوطنية وما ينتظره منها غالبية الشعب وليس أبناء الحركة فقط، هو رد الاعتبار للمؤتمر العام الذي فقد أهميته في الفترة الأخيرة بل أصبح أداة لإعادة إنتاج نفس الوجوه والسلوكيات .

بدون تصويب أوضاع المؤتمر العام لا يمكن إصلاح أو استنهاض حركة التحرر الوطني (فتح)، وبدون استنهاض وإصلاح حركة فتح لا يمكن استنهاض منظمة التحرير الفلسطينية والمشروع الوطني لأن حركة فتح ليست مجرد حزب كبقية الأحزاب.