مساعدات عسكرية سخية وكثيرة تقدمها الولايات المتحدة الأميركية إلى أوكرانيا منذ بداية الحرب الروسية عليها قبل مائة يوم تقريباً، وسط تحذيرات شديدة اللهجة من الطرف الروسي يتهم فيها واشنطن بزيادة مخاطر الصدام المباشر معها.
المساعدات الأميركية لم تتوقف منذ العام 2014 تحديداً، وهو العام الذي شهد بداية افتراق علاقة الحب والصداقة التي جمعت موسكو بكييف، في إطار مشروع أميركي يستهدف تغيير الاصطفافات الدولية وجلب أوكرانيا إلى معسكر الغرب وحلف «الناتو».
حتى هذه اللحظة، قدمت واشنطن 11 حزمة من المساعدات العسكرية، آخرها حزمة مستعجلة بقيمة 700 مليون دولار، ضمن مبلغ ضخم قيمته 40 مليار دولار خصص لدعم أوكرانيا عسكرياً في مواجهة حربها ضد روسيا.
في الثلث الأول من الشهر الماضي وافق مجلس النواب الأميركي على تقديم هذا المبلغ الكبير لكييف، سبقه توقيع الرئيس بايدن على قانون يستعجل تقديم المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا، ضمن الإقرار التشريعي الذي وافق عليه مجلس النواب أواخر نيسان الماضي، يسمح للرئيس باستدعاء قانون «الإعارة والتأجير» الذي يعود إلى زمن الحرب العالمية الثانية عام 1941، ما يتيح له تزويد كييف بالأسلحة وبالسرعة اللازمة.
ما يقلق روسيا كثيراً أن هذه المساعدات العسكرية تعني بالضرورة تواصل الحرب وصمود القوات الأوكرانية في وجهها، خصوصاً وأن الدعم العسكري الذي تقدمه واشنطن لأوكرانيا متنوع ومتطور ويضمن لها الدفاع عن نفسها أمام آلة الحرب الروسية.
من بين المساعدات العسكرية، توقف الروس كثيراً أمام راجمات الصواريخ سريعة التنقل من نوعية «هيمارس»، وهو سلاح موجه ودقيق الإصابة ويصل مداه إلى 80 كيلومتراً، ويعتقد الجانب الروسي أن هذا السلاح قد يستخدم داخل أراضيه.
التهديدات الروسية في الأساس ضد الغرب والولايات المتحدة لم تتوقف منذ بداية الأزمة مع أوكرانيا، لثنيهم عن الدخول المباشر في الحرب الحالية، غير أن موسكو تجد في الدعم الأميركي المتواصل لكييف مصلحة في إطالة الحرب بآخر جندي أوكراني.
طبعاً لواشنطن مصلحة كبيرة في إطالة الحرب بدليل عدم التوقف عن تقديم المساعدات العسكرية تحديداً لأوكرانيا، إذ عدا عن أنها -واشنطن- تريد إضعاف روسيا واستنزافها سياسياً وعسكرياً، تريد أيضاً إضعاف نفوذها الاقتصادي وتقزيمه إلى أبعد الحدود.
نتيجة هذه الحرب، يشهد العالم ارتفاعاً هائلاً في الأسعار الغذائية والمشتقات البترولية، والأهم بالنسبة لواشنطن أن السوق الأوروبية بدأت تغلق شيئاً فشيئاً أمام الصادرات الروسية، حتى في موضوع احتياج دول الاتحاد الأوروبي للنفط والغاز الروسي.
أهم شريك اقتصادي لروسيا هو الاتحاد الأوروبي الذي يستورد أكثر من الثلث أي حوالي 37.3% من الصادرات الروسية للعالم، وفي ذات الوقت تبلغ واردات موسكو من الاتحاد الأوروبي 36.5% من مجموع الواردات الروسية.
وفي قطاع الطاقة وحده، تتحصل الدول الغربية على 26% من احتياجاتها النفطية من روسيا، و40% من الغاز الروسي، وفنلندا مثلاً تحصل على 94% من وارداتها من الغاز الروسي، وبلجيكا 77%، وكل من ألمانيا وإيطاليا 49% و46%، ولذلك فإن تنامي توسيع الصادرات الروسية لأوروبا يهدد التحالف التاريخي والشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
واشنطن لا تريد أن يكون لروسيا موطئ قدم في دول الاتحاد الأوروبي، وتخاف أن يؤدي توسع النفوذ الاقتصادي الروسي في قلب أوروبا إلى طيّ صفحة الخلافات السياسية والعداءات القديمة، وفتح صفحة جديدة من الشراكات الاقتصادية والسياسية.
نتيجة هذه الحرب، الآن تفكر دول الاتحاد الأوروبي بإيجاد بدائل سريعة للنفط والغاز الروسيين، حيث عقدت صفقة بينها والولايات المتحدة لاستيراد الغاز الأميركي يعادل 10% مما تحصل عليه الدول الأوروبية من روسيا، ومن المقدر أن يزيد الإنتاج الأميركي خلال السنوات المقبلة وصولاً لتوفير 50 مليار متر مكعب إلى الحلفاء الأوروبيين.
لكل هذه الأسباب لا يتوقف الدعم العسكري الأميركي عن أوكرانيا، ويضاف إلى ذلك فتح أسواق جديدة أمام صادرات السلاح الأميركي وزيادة تبعية أوكرانيا وغيرها من الدول الأوروبية للولايات المتحدة، وترسيخ الشراكة بمختلف أنواعها، بعد أن فترت هذه العلاقة قليلاً في فترة حكم الرئيس الجمهوري ترامب.
في الحقيقة يمكن القول إن الولايات المتحدة صبّت الزيت على النار المشتعلة بين روسيا وأوكرانيا منذ عدة سنوات، في إطار معركة تحجيم الدور الروسي في القارة الأوروبية وحبس هذه الدولة الكبيرة داخل حدودها، ومنعها من الاستفادة من مواردها الكثيرة عبر إنهاكها اقتصادياً.
وتفعل واشنطن ذلك وعينها أيضاً على الصين، فهي لا تريد استفزاز بكين بالتدخل المباشر في الحرب الروسية- الأوكرانية، ولذلك تفضل أن تتعامل مع كل دولة على حدة، وحينما ينتهي دورها مع روسيا وتكون قد أثقلتها بتداعيات هذه الحرب، من المحتمل أن تبحث واشنطن عن فخ حتى توقع الصين فيه.