في خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي اعترف الرئيس أبو مازن، وإن كان اعترافاً متأخرا ومُبهماً، أن عملية التسوية السياسية التي عنوانها اتفاقية أوسلو وحل الدولتين وصلت لطريق مسدود بسبب الممارسات الإسرائيلية والتقاعس الدولي، وكرر ذلك في خطابه في الحادي عشر من نوفمبر في الذكرى السابعة عشر لاستشهاد أبو عمار وتحدث عن الموضوع أثناء تشييع جنازة شيرين أبو عاقلة وأخيرا بعد مسيرة الأعلام اليهودية واقتحامات المسجد الأقصى التي أصبحت شبه يومية، داعيا المنتظم الدولي للتدخل وسلطات الاحتلال الإسرائيليِ إلى العودة للمفاوضات والالتزام بالاتفاقات الموقعة وقرارات الشرعية الدولية وحل الدولتين في غضون عام واحد، وفيما يشبه التهديد المُبطن لوَّح بالتخلي عن اتفاقية أوسلو وكل ما يرتبط بها من التزامات إن لم تلتزم إسرائيل بذلك.
قد يقول قائل إن أبو مازن بهذا القول يريد أن يهدئ حالة الغضب الشعبي ويبرئ نفسه من المسؤولية عما آلت إليه الأمور، وأنه ما زال يراهن على المنتظم الدولي والتسوية السياسية، وأن لا قيمة لتهديداته لأن النظام السياسي وكل الحالة الفلسطينية غير مؤهلة للخيارات التي يتحدث عنها الرئيس .... .
ولكن، لو افترضنا وجود حسن نية وإرادة لتغيير النهج فإن أقوال الرئيس تتضمن كما ذكرنا سابقاً، اعترافا بفشل السياسات والاستراتيجيات السابقة للنظام السياسي و استعدادا لمراجعة استراتيجية، ولو أن حركة حماس ومن يواليها من الأحزاب اعترفت أيضاً بأخطائها وفشل سياساتها وتوقفت عن المكابرة والمعاندة، وهو فشل تأكد بعد 15 سنة عجاف من حكمها لقطاع غزة، لأصبح من الممكن العودة لحوار وطني لا يقتصر على الأحزاب القائمة بل يشمل الكل الفلسطيني من أحزاب ومؤسسات مجتمع مدني ومستقلين لأن من هم خارج الأحزاب أكثر عددا ممن هم داخل الأحزاب، حوار يؤسِس لاستراتيجية وطنية جديدة تُعيد بناء النظام السياسي برمته، وعليه تكون مهلة العام التي حددها الرئيس ليست موجهة لإسرائيل وللمجتمع الدولي فقط، بل أيضا لمكونات المنظومة السياسية والمجتمعية برمتها، وإن لم يحدث التغيير في هذه المنظومة فتهديدات الرئيس ستبقى مجرد زوبعة في فنجان أو (فشة خُلق) وغياب الرئيس قبل أو بعد هذه المهلة سيؤدي لمزيد من تدهور الأوضاع وتكريس الانقسام وقد تداهمنا انقسامات جديدة لا تقل خطورة عن الانقسام الحالي.
بعد مرور ثلاثة أرباع المهلة / الإنذار الرئاسي وفي ظل حكومة إسرائيلية يترأسها نفتالي بينت ومجتمع إسرائيلي لا يقل صهيونية وتطرفا عنه لا توجد أية فرصة لتغير إسرائيل سياستها وتلتزم بقرارات الشرعية الدولية أو بحل الدولتين، بل وكأنه رد على خطاب الرئيس في الأمم المتحدة وتهديداته بتنفيذ قرارات المجلس المركزي كثفت الحكومة الإسرائيلية من مشاريعها الاستيطانية ومن اقتحامات المسجد الأقصى واقتحام جنين ونابلس والخليل ومناطق أخرى ووصل الاستفزاز لتبني الحكومة لمسيرة الإعلام في القدس وتنفيذها بحماية الجيش، كما لا يبدو في الأفق أن تلتقط حركة حماس والفصائل الأخرى مبادرة الرئيس وتعيد النظر في سياستها وتخطو خطوة نحو إنهاء الانقسام وإنجاز المصالحة الوطنية، بل كل سياساتها وما تقوم به من إجراءات في قطاع غزة تؤكد أنها لن تتراجع عن سيطرتها على القطاع.
فماذا سيفعل الرئيس بعد سبتمبر القادم وانتهاء المهلة المحددة مع أن ما جري من ممارسات صهيونية بعد خطاب الرئيس في سبتمبر كانت تتطلب ردا دون انتظار المهلة المحددة؟
قد يكون من المفهوم عدم مبالاة إسرائيل بخطابات الرئيس وتهديداته وقد تعودت على مثل هكذا تهديدات من كل الفصائل الفلسطينية، أيضا يمكن فهم سلبية موقف حماس، والفصائل الفلسطينية لم تأخذ تهديدات الرئيس مأخذ الجد، ويبدو أن غالبية الشعب الفلسطيني وكل دول العالم لا تأخذ تهديدات الرئيس مأخذ الجد، والسبب ببساطة أن كل هذه الأطراف لم تلمس تحركا على الأرض من طرف المؤسسة الرسمية يوحي بأن تغييرا ما يجري التهيئة له.
نعم، لا توجد مؤشرات توحي بأن القيادة الفلسطينية تهيئ لنهج جديد من خلال تنفيذ قرارات المجلس المركزي أو ترجع للشعب من خلال انتخابات عامة ليقول الشعب كلمته، فلم يجتمع المجلس الوطني ولا المركزي ولا اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير لتبحث في الأمر حتى المؤتمر العام الثامن لحركة فتح تم تأجيله، وكما يقول المثل الشعبي ( لو بدها تشتي لغيمت) ، وأن يقول البعض ما زال هناك متسع من الوقت حتى سبتمبر، فهذا استخفاف بالعقول لأن تنفيذ تهديدات الرئيس أو ما صرح به يحتاج لاستراتيجية وطنية شاملة لمواجهة ردود الفعل الإسرائيلية على تنفيذ الرئيس لتهديده، بل حتى بدون مهلة الرئيس وتهديده ،وكما سبق ذكره، فإن ما يجري يحتاج لمثل هكذا تحرك ولمثل هذه الاستراتيجية في أسرع وقت.
و نقولها بصراحة وبعد تتبعنا لما جرى في مسيرة الأعلام اليهودية و اقتحام المستوطنين لباحات المسجد الأقصى دون ردود فعل ذات قيمة من الطبقة السياسية ومن المؤسسات الرسمية والحزبية، بعد ما جرى لا نعتقد أن ما بعد سبتمبر الماضي سيكون مختلفا عما قبله، بل ستكون الأمور أكثر سوءا وحتى لو أصدر الرئيس قرارا بوضع قرارات المركزي موضع التنفيذ فإن المؤسسات الرسمية لن تكون قادرة على التنفيذ أو راغبة بذلك.