في الوقت الذي يقف فيها العالم اليوم حائراً وعاجزاً امام صراع الهيمنة والنفوذ، بات يخرج الى السطح ازمات اجتماعية عالمية عابرة للحدود والقارات، العنصرية فيها عاملاً مشتركاً ومتكرراً بين جميع دولها التي امتهنت لغة التدمير والقتل تارةً ولغة الصمت والاستسلام تارةً اخرى، لندرك من جديد بأنه لا مكان للانسانية المزعومه سوى في العالم الافتراضي ووفقاً لمصالح هذا وذاك ....!
فلربما قد يكون صادما لدى الكثيرين منا وكلما حفرنا عميقاً في سياساتها مدى كم وحجم العنصرية المقيته والانسانيه الزائفة التي تتبجح بها امريكا ومن خلفها الغرب، بالتصفيق للظالم وإلقاء اللوم على المظلوم، وتفضيل شعوب على شعوب ، وهي التي من المفترض ان تقف على مسافة واحدة من الجميع ، باعتبارها اوكما تدعي حامي حمى الحقوق والديمقراطيات في العالم، ولك ان تتخيل ايضاً مدى حجم الهوه بين ما تنادي به علناً من شعارات لحقوق الانسان والعداله والمساواة و بين ما هو واقع وحقيقي على الارض ..! والذي بدوره وضع الشعوب المستضعفه والمغلوب على امرها في عين عاصفة ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين، حيث الدمار والتدمير هناك دون رقيب ولا حسيب، فكان سبباً كافياً لفراروتحول الملايين حول العالم الى لاجئين بفعل الصراعات والحروب.
فاصبح من الممكن اليوم الانقلاب ولو مؤقتاً على المبادئ و القيم والشعارات الهشه واللجوء الى تشريع بعضاً من محظوراتها، وهي ذاتها من اعتادت على تغيير جلدها وزيها بين الحين والاخر حسب ما تراه هي مناسبا لها وليس لنا، فمثلاً بات مسموحاً في الوقت الحاضر في ظل الصراع الروسي – الاوكراني بالتعبير العنفي اللفظي كشعار" الموت لروسيا " في حين تكون الكلمه ممنوعه حتى همساً عندما يتعلق الامر بحليفتهم اسرائيل....! فلربما هي مركزية الانا الغربيه والنظره الدنيويه التي تجعل من البعض قيمته البشريه لا ترقى الى مصاف الشعوب المخمليه المؤهله لتكون هي الاكثر بشرية وحقوقاً كانسان من البعض الاخر، لنتفاجئ بان قيم الديمقراطيه المزعومه وتوابعها لا وجود لها اجتماعياً فجميعها مصطلحات لم تكن سوى ضرباً من المثالية ومحض خيال، و لم تكن لتشكل الاساس لقوتها لسبب بسيط انها في الحقيقة لم تكن يوماً لتمتلكها، تماماً كما هو الحال في اقتصادها الذي لم يبنى يوماً الا عبر نهبها لمقدرات الشعوب وثرواتها، فمن يملك القوة والنفوذ ليس بالضرورة هو من يحرص على العدالة والمساواة. فالانسانيه هنا تظل محل شك ما لم يتم ترجمتها واقعياً على الارض ، فلربما تمتلك الدول الطائرات والمدفعيه والغواصات لكنها حتماً لا يمكن ان تكون بقوة من يعتبر نفسه صاحب فكره وقضية حق ....
وكمثالاً يعكس المفارقة الكبيرة في التعاطي الغربي الانتقائي مع القضايا الانسانية ، هو التعتيم المتعمد والممنهج وغض الطرف عما يتعرض له شعب رصيده من العدالة الاجتماعية صفراً يتصدر قائمة التهميش، بعد ان اسقطه القريب قبل البعيد عن منابره ، لينال نصيبه بما يكفي قتلا ولجوءا وضياعاتحت احتلال عمره اربعة وسبعون عاماً ، وبين ردة الفعل اللامحدوده ازاء ما يتعرض له اليوم الشعب الاوكراني من تدمير وتهجير على يد الروس، فانسانيتهم العوراء تجعلهم ينظرون بعين واحده ويغلقون الاخرى وفقاً لبازار المصالح السياسية، فلا احد منهم يبالي او حتى يلتفت الى قطاع غزه حيث السجن والحصار هناك قد اتم من عمره الستة عشر عاماً، يقبع فيه اكثر من مليون انسان ينتزع بقاؤه ووجوده بشق الانفس، حتى بات معروفاً عالميا بانه من اكبر السجون التي تقبع في الهواء الطلق ....!
ناهيك عما يتعرض له الشباب الفلسطيني الذين يولدون على حافة قبورهم على يد احتلال يضرب بالم ، يقتل كما يتنفس ، يستهتر بالراي العام العالمي وبالقيم والاعراف الدولية ، باعتباره الدوله الوحيده في العالم خارج القانون، والحائز على حصانه لا تنبغي لاحد مثله، ولطالما بفضلها وجد له مخرجاً ، يخفي خلفه عنصرية فتاكة، وصل من الدرك الاسفل منزلة ما تعجز عن وصفها الكلمات، لارتكابه فظائع بحق شعب اعزل في وضح النهار، وما يمارسه من تشريد وتهجير ممنهج وبالاخص في النقب وضواحي مدينة القدس والشيخ جراح ، واليوم في مسافر يطا التي تتلمس طاقة نورلعل الحال يتغير الى الاحسن ، وهي تتنظر بترقب وخوف وقلق هذه الايام انتهاء المهلة التي حددها لهم الاحتلال لاخلاء منازلهم قسرياً بعد ان صادقت عليها حكم المحكمة الاسرائيلية العليا وهي ذاتها من رفضت التماسهم مرات ومرات.
هناك حيث يقف المواطن الفلسطيني وحيداً اعزل في مواجهة سياسة الاحتلال صامداً في وجه العواصف وما اكثرها... يغرس قدميه في التراب عميقاً، متصدياً لمشاريع النهب ومصادرة اراضيه التي ارتفع منسوبها هذه الايام ، والتي تنم عن سياسة عنصرية تهدف الى تهجير واجتثاث مئات العائلات من اماكن سكناهم وتواجدهم بهدم ما يزيد عن اثنتي عشر قرية بدويه لتهويدها ولاحلال المستوطنات مكانها،انطلاقا من بوابة التدريبات العسكريه وكأنهم بحاجة الى التدريب اكثر على كيفية قتلنا ...!
حتى مصطلح مقاومة بات هو الاخر تحت رحمة الانتقائية وازدواجية المعايير ، يحللونه ويحرمونه حسب الاهواء، فتراهم يشرعونه في اوكرانيا ويفتحون له الابواب في حال كان ضد الروس ، في حين يعتبرونه ارهاباً يوضع من يمارسه على القائمة السوداء وفي خانة الارهاب اذا صدر من قبل من يدافع عن وجوده ووطنه ومقدساته، هنا فقد وجدت اسرائيل نفسها وهي التي اعتادت ان تؤلم ولا تتألم وتدين ولا تدان ، بقادرة على التعايش مع ما تتعرض له من انتقادات خجوله مصحوبة ببعض تعابير الشجب والاستنكار المزمنه من قبل مجتمع دولي ادمن هذه اللغه واعتاد عليها كبديلاً رادعاً
فتراه كثيراً ما يضع اصابعه في آذانه امام جرائم مكتملة الاركان والتي يرتكبها الاحتلال الاسرائيلي يومياً وعلى مرأى ومسمع منهفي الحواجز وعلى الطرقات، دون ان تحرك ذرة من ضميره، حتى الصحفي ناقل الخبر تحول هو الاخر في ظل هذه الممارسات الى خبر ايضا، وحبل التصعيد ما يزا ل على الجرار ... كل هذا يحدث امام وصف لربما يكون قاسياً يختصر وضع الجسد العربي الرسمي الذي يعاني من اطباق مخيف جعل الصمت شريكا في جرائم الاحتلال تلك، فبات خنجرا مسموما في خاصرة الشعوب المكبله التي لا تملك من امرها شيئاً ، بعد ان ألفوا ساساتها الانقياد ولو الى المهالك... وكيف لا وهم من اعتبروا التصاغر أدباً والتذلل الى العدو لطفاً ، وحب الوطن حماقة ، وترك الحقوق سماحة ، والتطبيع نبلا وشجاعة ، وحرية الرأي والتعبير خيانة وتآمراً..!
حتى انهم لا يمتلكون منظومة امنية تحميهم او أقلها تمنحهم الطمأنينة في حال شعروا بالخطر، ولم ينجحوا ايضا في تحقيق قوة قطرية او مشروع موحد، بما يمكنهم من المدافعة عن ا نفسهم وعن الشعوب العربيه المنكوبة، ناهيك عن اليد الطولى ذات الملمس الصهيوني والتي بلغت حدودا ًوحضوراً هائلاً في الساحة العربية والخليجة يتفيئون بظلها شكلاً ومضموناً بعد ان ادخلوها الى دولهم من اوسع الابواب، فما نراه اليوم من تطبيع دون الشعور بأي خجل او حرج ما هو الا محصله للسقوط الاخلاقي العميق الى غير رجعه، وبين هذا وذاك يبقى السؤال الاهم ...الى متى سيستمر العالم بالتعامل وفقا لسياسة "قاتل النفس محكوم بفعلته وقاتل شعب بأكمله فيه وجهة نظر بل ولربما لا يدري به احدا "...!؟