لولا الحاجة الملحة لما قرر الرئيس جو بايدن زيارة الشرق الأوسط الذي كان قبل الحرب في أوكرانيا مرشحا لمزيد من التجاهل والتراجع عن مكانته في الأولويات القصوى للسياسة الامريكية.
المحطة الأولى للزيارة ...إسرائيل، غير ضرورية الا انه لا يمكن تفاديها لتأكيد الرسالة الامريكية الدائمة بأن إسرائيل هي المفتاح وأمنها هو الغاية، وتثبيت أوضاعها في المنطقة هي السياسة المشتركة بين القطبين الأمريكيين الديموقراطي والجمهوري، وذلك مكفول بزيارة ومن دونها.
المحطة الثانية هي الفلسطينية ولقد أضحت زيارتها من الثوابت في السياسة الامريكية، باستثناء بعض فترة ترمب.
الزيارة المقبلة غرضها ان تقول للفلسطينيين انتم في البال، وان الوقت غير مواتٍ لفتح ملفكم الشائك على الحل، وها نحن نواصل إدارة ازماتكم مع إسرائيل بما لا يسمح بالانهيار الكامل لعلاقاتكم معها.
المحطة الثالثة.. السعودية، وهي الأولى من حيث الأهمية والضرورة الملحة، وهناك القوة المتجددة لدول الخليج التي عرفت كيف ترفع بطاقة صفراء في وجه الرئيس بايدن قائد الحرب الكونية الروسية الأوكرانية، وعرفت كذلك كيف توسع هامش الاستقلال في بناء السياسات والمواقف والعلاقات، وهناك حلفاء السعودية وفي مقدمتهم مصر والأردن، أي قوى الاعتدال العربي، التي لم تتوقف عن الشكوى من الفوقية الامريكية وتجاهل المصالح الأساسية لهذه القوى بما في ذلك رؤيتها لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
زيارة بايدن املتها الحاجة الامريكية لتجديد الصداقات والتحالفات والولاءات وهذه من بديهيات السياسية على وجه العموم، الا انها في هذا الوقت بالذات تتطلب تغييرا أمريكيا في النهج والحسابات والمبادرات.
تراجع الرئيس بايدن عن مواقف كثيرة بشر بها اثناء الحملة الانتخابية الشرسة التي ادارها الديموقراطيون للإطاحة بالجمهوري دونالد ترمب، ولقد تأثرت صدقية بايدن بنكوصه عن وعوده وانتهاجه سياسية تشبه سياسات مرشحي العالم الثالث الذين يقولون في الحملة شيئا وحين يبلغون مرادهم يعملون شيئا اخر ، فعل بايدن ذلك مع الفلسطينيين وبصورة مختلفة مع السعوديين، اما ما حدث على الصعيد الداخلي الأمريكي فقد مهدت سياساته لعودة محتملة ان لم يكن لترمب فالى نسخة طبق الأصل عنه وربما أسوأ منه. والأمريكيون الذين صوتوا له ولحزبه هم الان في الطريق الى الانتخابات النصفية التي تشير معظم التقديرات الى انها لن تكون في صالح الحزب الديموقراطي، ومعلوم ان الانتخابات النصفية تؤشر لكل ما يليها من مفاصل تحدد من سيحكم أمريكا.
عندنا في الشرق الأوسط سياسة امريكية غير مرضي عنها حتى من الحلفاء التقليديين لامريكا وجزء لا يستهان به من الرأي العام الإسرائيلي، وهذا يحتم على أمريكا ان تراعي التطورات التي أدت الى ابتعاد ملحوظ من قبل حلفائها وخصوصا في الشرق الأوسط وأوروبا وحتى أمريكا اللاتينية.
بالنسبة لنا نحن الفلسطينيين فإن ذهاب أمريكا بكل امكانياتها الى إدارة الصراع دون العناية الجدية بحله الحق بنا اذىً كبيرا وأعطى لإسرائيل افضلية جعلها تفعل ما تشاء غير آبهة بأي انتقاد لها حتى لو جاء من قبيل رفع العتب من جانب الولايات المتحدة ذاتها.
ويبدو ان هنالك في أمريكا من ينظر للقضية الفلسطينية على انها لم تعد أولوية تستحق العمل من اجل معالجتها لصورة اعمق من ادارتها وهذه رؤية تبدو قاصرة تماما وبعيدة عن الواقع، صحيح انه يمر على القضية الفلسطينية ظروف تبدو فيها انها انحسرت او تراجعت غير ان الحقيقة المثبتة دوما هي ان الانحسار والتراجع مؤقت والنهوض والتأثير في قضايا المنطقة الأخرى تنهض دائما من جديد ، ولو قرأ الأمريكيون احداث رمضان وايار الماضي بقدر من الموضوعية وقرأوا ردود فعل العالم على قتل شيرين أبو عاقلة مثلا لما اطمأنوا الى تقديرهم السطحي بأن الواقع المستجد تجاوز القضية القديمة، ولو كان الامر كذلك لما اشتعل العالم كله ليس تضاما انفعاليا مع الفلسطينيين في مناسبة معينة، وانما تذكيرا لمن يهمه او لا يهمه الامر، بأن هذه القضية بحاجة الى حل وليس الى إدارة سطحية تكثف الجمر تحت الرماد.
الذين سيستقبلون الرئيس الأمريكي يدركون بوعي كم هي أمريكا مهمة ومؤثرة في الحياة الدولية وكم هي العلاقات معها في حال الحركة والجمود احد الثوابت في صنع السياسات وممارستها، غير ان الذي استجد من متغيرات إقليمية وكونية يقول لامريكا لابد من التغيير.
الذين يقولون ذلك هم الحلفاء في الشرق الاوسط وفي أوروبا وعلى نطاق معين حتى في إسرائيل، غير ان سؤالا جوهريا يطرح نفسه نطالب أمريكا بأن تتغير، اليس منطقيا وضروريا ان نتغير نحن قبل ذلك؟