أشارت بيان اجتماع اللجنة المركزية لحركة فتح الأخير إلى أنَّها "ناقشت عدداً من القضايا المتعلقة بالأوضاع الداخلية للحركة، واتخذت جملة من القرارات الهادفة لتصويب الوضع التنظيمي واستنهاض قدرات الحركة في هذه الظروف الدقيقة التي تمر بها قضيتنا الوطنية." على ذمة وسائل الإعلام المحلية. وهو أمرٌ محمودٌ ومرغوبٌ به لتدارك التحديات، وإعادة النظر في المسارات لتصويب الاتجاهات، وتحديد مسارات اعادة البناء وتطوير الوسائل والآليات وأساليب العمل لاستنهاض قدرات هذه الحركة.

وعلى الرغم من الحديث عن استنهاض الحركة في أغلب بيانات واجتماعات اللجنة المركزية والمجلس الثوري لحركة فتح، إلا أنَّ هذه العبارة الفضفاضة لم يتم ترجمتها بتحديد معالمها أو إطلاق محددات قادرة على استكشاف مكنوناتها أو استشراف مفاعيلها أو تقييم أدواتها وقياس نجاحاتها. في المقابل تتوالى الإخفاقات في طريقة عملها وتبتعد عنها الجماهير "محيط حياتها" وتفقد مؤيديها، بل أيضا من جسمها "إطاراتها/ كوادرها ومناضليها"، وتخسر على شواطئها "الأطر النقابية"، وتتعثر في مواجهتها للتحديات اليومية وتخفق في معالجتها، وتفتقر إلى رؤية موحدة للقضايا المجتمعية، وإلى خطاب مقنع لجمهورها والمواطنين وقادة الرأي في المجتمع الفلسطيني.

في ظني أن عدم القدرة على استنهاض حركة فتح لقدراتها ومعالجة التحديات التي تواجهها تكمنُ في ثلاث مسائل هامة هي؛ الأولى: زوال دور مُنظريها أو بالأحرى افتقارها إلى الوسيط بين القيادة المركزية وبين إطاراتها "كوادرها" ومناضليها وقواعدها المترامية في الجغرافيا الفلسطينية وبقاع متعددة. والثانية: غلبة السلوك السلطوي القائم على امتلاك القوة المادية باعتبارها حزباً حاكماً ومقابل تراجع الاعتماد على القوة المعنوية القائمة على قواعد المسلكية الثورية المعتمدة. والثالثة: اعتماد أسس التقدم في الأطر التنظيمية والجماهيرية على توزيع ذات أبعاد جهوية وعائلية تأخذ بالاعتبار الإمكانيات المادية "المال والسلاح" مقابل تراجع مكانة القدرات الفكرية للأفراد والانضباط التنظيمي والكفاءة في المهمات ونجاحاته في أعماله وقدرته على التأثير داخل الحركة وفي الجماهير بالإضافة إلى المكانة الاجتماعية.

يدرك نشطاء القوى السياسية والاجتماعية بأنَّ سلامة جسم حركة فتح ذات أهمية بالغة للحفاظ على الحركة الوطنية ذاتها وطليعتها في الثورة والبناء، ويؤمن الكتاب من أبناء الحركة الوطنية والفتحاويين منهم بأنَّ فكر حركة فتح ومنطلقاتها المرسومة في وثائقها الداخلية الناظمة لعملها والمحددة لطبيعتها ذات أبعاد تقدمية تُمكّن نظرياً من إرساء قواعد البناء الديموقراطي وفلسفة دولة القانون والمؤسسات والعدالة الاجتماعية، كما هو مثبتٌ في وثيقة اعلان الاستقلال وفي احكام القانون الأساسي.

إنَّ الحرص هذا على الجسد وجسم هذه الحركة موحدا وعلى روحها وفكرها متوهجا يحتاج إلى معالجة مسألة غياب منظري الحركة "حراس الفكر" باثوه في أروقتها وقواعدها، ومقدمو مواقفها بصورة قادرة على الاقناع لجمهورها، مقارعو خصومها بالحجة والبرهان لجذب الجماهير وتعظيم حجمها والالتفاف حولها.