حق طبيعي ما ستؤكد عليه قيادتنا السياسية من مطالب كانت قد وضعتها مرارا أمام كل مسوؤل امريكي خلال اللقاءات السابقة ، وهي تلك نفسها التي سيضعها الأخ الرئيس أبو مازن أمام بايدن خلال زيارته للمنطقة واللقاء القصير معه في مدينة بيت لحم ، والتي سبقها امس تغريدة لوزير الخارجية الأمريكية تجاهل بها ذكر فلسطين مستبدلها بمصطلح "الضفة الغربية" في إشارته لزيارة بايدن للمنطقة . 

مطالب فلسطينية تشكل الأسس السليمة لاطلاق عملية سلام جادة برعاية دولية تفضي إلى إنهاء الاحتلال الاستيطاني البشع اولاً والوصول بشعبنا إلى تجسيد الاستقلال الوطني في دولتنا وفق حدود ما قبل الرابع من حزيران عام ٦٧ بما فيها القدس الشرقية عاصمة دولتنا وتنفيذ القرار ١٩٤ لحل قضية اللاجئين الذين شردوا من ديارهم قصرا قبل ٧٤ عاما إضافة إلى حريات الأسرى وجثامين الشهداء وفتح القنصلية المغلقة ، مطالب ستكرر على مسامع بايدن بلغة لا تقبل بأي مشاريع أمريكية متجددة لتجاوزها . 

لكنني لا أعتقد أن ذلك اللقاء القصير المفترض بين الرئيسين سيتيح المجال للحديث عن ٧٤ عاما من الظلم التاريخي والاضطهاد البشع بحق شعبنا . 

كما ولا يتيح الوقت القصير للحديث عن ما سببته الولايات المتحدة بسياساتها الخارجية من كوارث بحق شعبنا الفلسطيني وبحق العديد من شعوب العالم بعد تفردها بالهيمنة على النظام الدولي منذ انهيار القطب الآخر ، كما ولن يسمح الوقت المحدد من جانب الامريكيين وهم الضيوف افتراضا في هذا اللقاء لاستعراض مواقف الولايات المتحدة لدعم إقامة دولة مارقة على حساب حقوق اصحاب الأرض الأصليين وامتداد ذلك الدعم لاستدامة احتلال ما تبقى من أرض فلسطين التاريخية عام ٦٧ بعد هزيمة الجيوش العربية .

لن يكفي الوقت لمجرد التذكير بالكم الهائل من القرارات الدولية في مجلس الأمن بخصوص قضية شعبنا التي اسقطتها الولايات المتحدة بفعل الفيتو المعتاد ، إضافة إلى القرارات الاممية في كافة محافل هيئة الأمم التي صوتت الإدارة الادارات الأمريكية المتعاقبة ضدها ، الأمر الذي شجع دولة الاحتلال في التمادي بتنفيذ جرائمها ضد شعبنا وتكريس احتلالها الاستيطاني واسس قيام كيانها المتعلق بالتوسع والضم والتمييز العنصري حتى باتت اليوم دولة نظام الابرتهايد بامتياز تتمتع بادانة المنظمات الدولية الإنسانية والحقوقية والكنائس الأمريكية نفسها بل و حتى عدد من المنظمات اليهودية بالولايات المتحدة إضافة إلى اصوات عدد من أعضاء مجلس نوابها الكونغرس . 
وهل ستسمح تلك الدقائق المحدودة للقاء من إعادة التأكيد على مواقف منظمة التحرير الملتزمة بالقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ورؤية السلام العادل ، المنظمة التي ما زالت تعتبرها الولايات المتحدة رغم تلك الالتزامات ضمن قوائم الإرهاب وفق مفهومها ، وهي نفسها الدولة الأكثر رعاية للإرهاب في هذا الكون الذي نعيش فيه ، ترفع من تشاء وتذل من تشاء وترفع المنظمات الصهيونية الإرهابية عن قوائم الإرهاب الخاصة بها .

بالتأكيد لن يتيح اللقاء المنتظر للحديث عن ما خططت الولايات المتحدة له ونفذته مع دولة الاحتلال لقتل مسيرة سلام ابتدائها الزعيم الخالد ياسر عرفات الذي حاصرته واغتالته لاحقا ومنعت إعادة اطلاقها في الزمن الحالي للرئيس ابو مازن كي يتوسع الاحتلال ويُقطع أوصال ارضنا ويشجع الانقلاب والانفصال ويتماهى في تهويد القدس ليمنع آفاق إقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة تحت هذه الظروف ، التي لم يتجاوز موقف الولايات المتحدة منها احيانا اكثر من بيان منافق دون الضرر باسرائيل ويتسم باعتماد ازدواجية المعايير الدولية .

وتمشيا مع هذا الوقت الحذر للقاء ، فمن المرجح أن يؤكد بايدن بخطوط عامة وباختصار المواقف الدبلوماسية التقليدية للولايات المتحدة خلال اجتماعه مع الاخ الرئيس مثل الالتزام بحل الدولتين ( دون الإشارة إلى الحدود او القدس )  ورفض النشاط من جانب واحد دون الاشارة الى الاستيطان كجريمة او الى إجراءات تهويد القدس او القتل اليومي ، ولن يعلن التراجع عن قرارات سلفه ترامب ، كما ولن يشير إلى أي جهود متجددة وعملية لتحقيق هذه الأهداف حتى ولو كانت بالاطار العام الفضفاض أو وفق ما التزمت به سابقا الولايات المتحدة كراعية لعدد من اتفاقيات الاطار ، أو حتى ما كان بايدن نفسه قد أعلن التزامه بها في وعود سابقة .

وبدلا من ذلك ، سوف يعلن بايدن استئناف المساعدة التي تقدمها الولايات المتحدة إلى الفلسطينيين التي لا جدال فيها داخل الكونغرس الامريكي والتي تُعفى من قانون قوة تايلور مثل تقديم المساعدة إلى مستشفيات القدس الشرقية، وتقديم المساعدة الاقتصادية إلى الفلسطينيين من القطاع الخاص والتي لن تشتمل على اي مشاريع صناعية إنتاجية ، وذلك في إطار رؤيتهم للسلام الاقتصادي المزعوم وتحسين شروط المعيشة وتحقيق إجراءات لتعزيز الثقة التي يروجون لها في وقت ما زال فيه شعبنا يعاني وباء الاحتلال وجرائم التطهير العرقي في مسافر يطا والاغوار وغيرها . 

أن الوقت لن يسمح أيضا بالتاكيد على ان شعبنا يسعى الى حريته السياسية اولاً من مصدر جذر الإرهاب المتمثل بالاحتلال ، او بالتذكير في الرفض الفلسطيني السابق لمشروع ترامب او بالرد على نظريات الإنعاش الاقتصادي وبتفسير عدم إمكانية نجاح احداث اي تنمية اقتصادية واجتماعية تحت حراب الأحتلال والاستيطان الاستعماري ، وأن العديد من تلك المساعدات الاقتصادية التي قدمت سابقا من خلال ال USAID لم تسفر عن تخفيض نسب الفقر والبطالة في فلسطين ، بل ولم تؤدي إلى زيادة الناتج المحلي أو زيادة في دخل الفرد ، وهي لم تؤدي إلى إطلاق اي مسار سياسي ، بل والى اي بناء اقتصادي فلسطيني مستقل دون سيادة ، بل والتذكير بعمليات الهدم التي قام بها الاحتلال لعدد من المشاريع الصغيرة الممولة من الاتحاد الأوروبي. 

وبالتالي فإن اللقاء هذا وباختصار ، بالنسبة للبيت الأبيض ، لن يحقق أكثر من الأهداف الدبلوماسية التي يسعون لها لاعتباراتهم الخاصة دون عناوين رئيسية عملية ، حيث إن الاجتماع نفسه هو الهدف بالنسبة لهم ، وكلما كان أكثر فضفاضا ، كلما كان ذلك أكثر نجاحا بحسب اعتقاد الامريكين ، وذلك لاقتراب انتخابات الكونغرس في غضون أشهر قريبة . 

وفي الجانب الاخر من الزيارة وهي الأهم برايي ، فان الانهيار الأخير للحكومة الإسرائيلية يزيد من تعقيد الأمور مع بدء التحضير لانتخاباتهم الخامسة في أقل من أربع سنوات ، ولذلك سيكون بايدن وفريقه أكثر حساسية للسياسة الإسرائيلية ، وبالتالي من غير المرجح أن يضغط باتجاه اي من الأمور الجوهرية وخاصة في شأن القدس والقضايا الفلسطينية وذلك تعزيزا منها لمواقف ومكانة لابيد ورغبة الإدارة الحالية في مساندته بالانتخابات القادمة ، ولن تتم اي محاولة تتعارض مع محددات العلاقة الاستراتيجية التي تربط الطرفين بالدور والأهداف. 

ووفق ما نقلته هيئة الإذاعة والبث الإسرائيلية  "فان البيان المشترك لزيارة بايدن سيسمى "إعلان القدس" وستلتزم فيه واشنطن بأمن "إسرائيل" وسيؤكد التعهد بعدم السماح لإيران بامتلاك أسلحة نووية والسماح ل"إسرائيل" بالدفاع عن نفسها وسيؤكد تعزيز التطبيع وتوسيع نطاق الدول المنخرطة في اتفاقيات ابراهام للسلام ." 

باختصار ، فان سلة مطالب حكومة الأحتلال من بايدن والاجتماعات المطولة المفترضة مع لابيد ونتنياهو ورئيس دولة الاحتلال هي المؤشر الحقيقي عن مضمون وأهداف جولته بالمنطقة والذي يتمثل اساسا في إرسال إشارة مفادها أن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بأمن وتفوق إسرائيل ودورها الوظيفي بالمنطقة على حساب حقوقنا الوطنية السياسية ، بالاضافة الى تأمين مسألة الطاقة من البترول والغاز بديلا للغاز الروسي وبيع الأسلحة لتحقيق فائدة المجمعات الصناعية العسكرية ومكانة الدولار وتجاوز المبادرة العربية للسلام ودمج إسرائيل كشريك بواقع الشرق الأوسط الجديد في واقع أمني لمواجهة عدو جديد ابتدعوه هم  . هذا ما سيحاواون الوصول له بالوقت الذي يسود منطقتنا عدم الوضوح الجيوسياسي على أثر المتغيرات الدولية والتحركات الفاعلة الخارجية الأخرى وتحديدا روسيا والصين بطرقها الخاصة للتأثير على الاتجاهات في جميع أنحاء المنطقة وحراك التحالفات فيها ، الأمر الذي تسعى الولايات المتحدة للمسارعة في مواجهته ضمن جهودها للحفاظ على هيمنتها الاخذة بالانهيار أمام تسارع المتغيرات الدولية ، الأمر الذي يضع تساؤلا عن إمكانية بناء ونجاح التحالف الجديد الذي تسعى لبنائه الولايات المتحدة بمنطقتنا .

ويبقى السؤال أمام تلك التوقعات من نتائج الزيارة ، هو كيفية التعاطي مع تلك النتائج من جانب قيادتنا السياسية التي ستؤكد على الثوابت الوطنية لشعبنا المعروفة للقاصي والداني ، أمام البدائل القائمة في  ظل اصرار الاجماع الإسرائيلي الصهيوني على رفض إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وفق حل الدولتين كخيار اممي في ظل الانحياز الأمريكي الرسمي المستمر لسياسات دولة الاحتلال بل وحتى لإجراءاتها الهادفة إلى سيطرة الحركة الصهيونية والتلمودية اليهودية على كل الأرض ما بين النهر والبحر والتي ستراقب الولايات المتحدة امام اعينها تطور تنفيذها على شكل نظام ابرتهايد وتطهير عرقي طالما لم تنهي انحيازها وتقف إلى جانب القانون الدولي وقرارات الشرعية الاممية دون ازدواجية معاييرها الفاضحة.

لكن العالم يتغير ولا شيئ ثابت بالتاريخ والجغرافيا السياسية متحركة دائما وسقوط الإمبراطوريات سمة اساسية من هذا التغير ، فامريكيا لن تبقى شرطي العالم ، وشعبنا الذي يملاء الدنيا صراخا ومقاومة شعبية في وجه قهر الاحتلال من خلال مسيرة كفاحه الوطني سينتظر ويبني تحالفاته وفق التطورات الدولية الجارية وخاصة مع شعوب العالم وقواها الحية ، وسينتصر كما انتصرت شعوب العالم التي خاضت معارك تحررها الوطني بشرف وكرامة ضد كل مغتصبٍ للحق .