يتساءل كثيرون عما سيقوم به الرئيس الأمريكي، جو بايدن، تجاه الموضوع الفلسطيني، في أثناء زيارته الحالية للمنطقة. وما زال مسؤولون يراهنون على إمكانية أن يدفع بايدن بعملية سياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وكما يُقرأ الكتاب من عنوانه، فإن نتائج التحقيق الأمريكي حول اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة، والتي أعلنتها الخارجية الأمريكية، قطعت الشك باليقين بأن انحياز الإدارة الأميركية لإسرائيل مطلق، فالتقرير الأميركي جزم، على عكس رأي الخبراء الفلسطينيين، بأن الرصاصة القاتلة مشوهة إلى درجة تمنع مطابقتها بالسلاح المستخدم، وكان هذا رأياً إسرائيلياً قبل أن يكون أميركياً. 

وعلى الرغم من إقراره بأن مصدر الرصاصة كان على الأغلب (ولم يقل بالقطع) من الجانب الإسرائيلي، فإن التقرير الأميركي إدّعى القدرة على الجزم بأن قتل شيرين أبو عاقلة لم يكن مقصوداً، وبذلك خالف التقرير الرسمي الأمريكي سبعة تقارير، معظمها محايد بالكامل وبعضها أميركي، بما في ذلك تقارير السي ان ان (CNN) وأسوشيتد برس، ونيويورك تايمز، وواشنطن بوست، ولجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، والتقرير الفلسطيني، وكذلك تقرير قناة الجزيرة نفسها.

وفي النهاية اتضح أن الضغط الأمريكي على السلطة الفلسطينية لتسليم رصاصة الإغتيال، كان غرضه أولاً تبرئة إسرائيل وجيشها من جريمة القتل والاغتيال العمد لصحافية تحمل الجنسيتين الفلسطينية والأميركية، وثانياً إزالة موضوع شيرين أبو عاقلة المحرج من المؤتمرات الصحفية واللقاءات التي ينوي بايدن عقدها أو المشاركة فيها. وأملي كبير ألا يسمح الصحفيون المهنيون لبايدن ومرافقيه بالتهرب من هذا الموضوع الخطير، كما تهربت إدارات أمريكية سابقة من محاسبة قتلة الأميركية راشيل كوري .

إدعاء التحقيق الأمريكي بأن القتل، إن حدث من الجانب الإسرائيلي، كان غير مقصود يناقض كل الوقائع المادية، والتحقيقات الميدانية.

إذ كيف يمكن الإدعاء بأن القناص، أو القناصة، الإسرائيلي الذين قتل شيرين أبو عاقلة، فعل ذلك خطأ، مع العلم أن القاتل أطلق عشر رصاصات على الأقل على النقطة نفسها والمكان الذي تجمع فيه صحفيون، بمن فيهم شيرين، وهم يرتدون زي الصحافة الواضح كالشمس، وأولى الرصاصات أصابت الصحفي علي السمودي الذي كان يقف أمام شيرين ، والثانية اخترقت جمجمة شيرين بعد أن دخلت من أسفل الخوذة التي ترتديها، وهذه إصابة دقيقة لا يمكن أن تتم إلا على يد قناص محترف، يعرف ماذا يفعل، وأي هدف يوجه رصاصاته له. بل إن باقي الرصاصات من نفس المصدر أطلقت على نفس المكان بدقة في محاولة لإصابة صحافيين حاولوا إسعاف شيرين أبو عاقلة، و أصابت هذه الرصاصات الشجرة المجاورة لرأس شيرين بعد سقوطها على الأرض ، عدة مرات.

والشاهد أن كل عملية التحقيق الأمريكية أرادت إعفاء الإدارة الأمريكية من مطالبات ربع أعضاء مجلس الشيوخ و54 عضواً من الكونجرس الأميركي، بالتحقيق الجدي في عملية الإغتيال، وتبرئة الجانب الإسرائيلي من جريمة القتل، والاكتفاء بنصف أسف من رئيس الوزراء الإسرائيلي.

ويمثل ذلك كله مؤشراً لما هو متوقع من زيارة الرئيس بايدن تجاه القضية الفلسطينية، فاستراتيجية إدارته المعلنة تقول صراحة أن موضوع تحريك العملية السياسية الإسرائيلية الفلسطينية ليس على جدول أعمالها. وهذه الإدارة مثل إدارة ترامب وقبله أوباما، ترفض ممارسة أي ضغط على إسرائيل لوقف التوسع الاستيطاني الجنوني الذي يدمر حرفياً، وفي كل يوم، أي فرصة لما سمي "حل الدولتين". وإذا كانت هذه الإدارة عاجزة عن إجبار إسرائيل على الاعتراف بجريمة قتل واحدة، فهل تجبرها على وقف اعتداءات جيشها، ومستوطنيها اليومية على الفلسطينيين والتي أودت بحياة 70 شهيداً وشهيدة منذ بداية هذا العام؟!

ولا يحتاج الأمر لإثبات، فبايدن نفسه صرح، وبلسانه، أن هدف زيارته الرئيس دعم إسرائيل، والدفع بعملية التطبيع التي بدأها ترامب، في إطار تطبيق "صفقة القرن" بين الدول العربية وإسرائيل على حساب القضية الفلسطينية وضمن محاولات إنشاء تحالف استخباراتي عسكري بين إسرائيل ودول عربية، وجر هذه البلدان إلى صدام مباشر وخطير مع إيران، بالإضافة إلى نقل جزء من الدور الأميركي الأمني في المنطقة لإسرائيل، ومحاولة إقناع دول الخليج بزيادة إنتاجها النفطي، لتخفيف أثر الحرب في أوكرانيا على الإقتصاد الأمريكي.

وحتى المطالب الفرعية، بالمقارنة مع مطلب إنهاء الاحتلال والإستيطان، مثل فتح القنصلية الأمريكية في القدس، أو فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، أو إزالة منظمة التحرير الفلسطينية من قائمة الإرهاب الأمريكية، لن تحدث.

وخلاصة ما سيجري حذف حقوق الشعب الفلسطيني، ومظالمه، من جدول الزيارة، وتسكين الموضوع الفلسطيني بمجرد لقاء بين الرئيسين الأمريكي والفلسطيني، كي يتفرغ بايدن لمهمته الرئيسية في دعم إسرائيل، والتطبيع معها، والدفع بتكوين حلف عسكري جديد في المنطقة بينها وبين أنظمة عربية لم تعد ترى في الموضوع الفلسطيني، سوى مصدر إزعاج تسعى لتجنبه.

ارتكبت السلطة الفلسطينية خطأً فادحاً بتسليم رصاصة إغتيال شيرين أبو عاقلة لثلاثة أسباب: الانحياز الأميركي الذي ثبت باعتراف السلطة الفلسطينية نفسها، وإجراء الفحوصات في السفارة الأمريكية التي يرفض كل الفلسطينيين وجودها في القدس، والسماح الأميركي للإسرائيليين بأن يكونوا طرفاً في التحقيق، وكأن من الجائز السماح للمجرم بالتحقيق مع نفسه، وذلك مقابل أمل لن يتحقق، بتدخل سياسي أميركي لإنقاذ عملية أوسلو الغارقة في مستنقع الاستيطان والتطرف العنصري الإسرائيلي.

وبإمكان السلطة الفلسطينية لو أرادت، بدل التعلق بالأوهام، أن تباشر خطوات ملموسة تصوب الخلل القائم في ميزان القوى لمصلحة إسرائيل.

وأول هذه الخطوات، التوجه نحو مصالحة فلسطينية داخلية حقيقية، مع كل القوى الفلسطينية، لإنهاء الانقسام وتوحيد الجميع في قيادة وطنية موحدة.

وبإمكانها ثانياً أن تنفذ تهديداتها المتكررة والتي لم يعد أعداء الشعب الفلسطيني يأخذونها على محمل الجد، بتنفيذ قرارات المجلس المركزي الفلسطيني المتخذة منذ عام 2015، بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، والتراجع عن الإعتراف الذي قدم لها، والتحلل من التزامات اتفاقيات أوسلو، التي تعفنت في الأدراج الإسرائيلية، ومزقتها إسرائيل مراراً وتكراراً.

وفي الخلاصة تبني إستراتيجية مقاومة وطنية كفاحية موحدة، بدل مواصلة التعلق بأوهام مفاوضات لن تحدث، وتدخل أمريكي لن يتحقق.