من المقبول في سياق البروتوكولات الدبلوماسية  أن ترحب القيادة الفلسطينية بزيارة الرئيس الأمريكي بايدن لبيت لحم وأن يستقبله رئيس دولة فلسطين خصوصا أن زيارة بايدن مقررة مسبقا لعدد من دول المنطقة و بايدن عبر عن نيته زيارة بين لحم والالتقاء بالرئيس، ومن الواضح أن بايدن أرسل تلميحات إيجابية لصالح الفلسطينيين مقارنة بسلفه ترامب  خصوصا عندما تحدث عن معاناة الفلسطينيين وحل الدولتين بعد أن غاب هذا المصطلح في زمن ترامب، ولكن من السذاجة الحديث عن تحولات ذات شأن في الموقف الأمريكي من الفلسطينيين وصراعهم مع الكيان الصهيوني لنيل حريتهم واستقلالهم، كما يجب الأخذ بعين الاعتبار الأهداف الحقيقية المعلنة والخفية من وراء جولة بايدن، حتى حديث قادة قمة جدة عن التزامهم بحل الدولتين لا يعني حدوث تراجع في موقف الدول المجتمعة عن التزاماتها تجاه إسرائيل في إطار الاتفاقات الابراهيمية وقمة النقب واتفاقات التطبيع، فالكلام الطيب كان للفلسطينيين والأفعال كانت لإسرائيل وشتان بين الأقوال والأفعال .

 بالنسبة لحديث بايدن عن حل الدولتين وهو الأمر الذي أسعد القيادة الفلسطينية فهذا موقف شخصي لرئيس قد يفقد السلطة بعد نوفمبر القادم وهو غير ملزم لمن يأتي بعده، أيضا فإن ما تبع حديثه عن حل الدولتين في اللقاء الصحفي[k1]  مع الرئيس أبو مازن كقوله إنه بعيد المنال وحتى المفاوضات على أساسه ليس وقتها دون أن يذكر سبب إعاقة حل الدولتين ومن المسؤول عن ذلك، كل ذلك جعل حديثه عن حل الدولتين بلا قيمة أو معنى وقد يخفي رؤية مغايرة لرؤية الفلسطينيين لحل الدولتين وهو ما يذكرنا بخطاب الرئيس أوباما في جامعة القاهرة في الرابع من يونيو 2009 وهو الخطاب الذي اسهب فيه في الحديث عن السلام وحقوق الشعب الفلسطيني وحل الدولتين مما جعل البعض يستبشر خيرا وأن السلام سيعم المنطقة قريبا والقضية الفلسطينية سيتم حلها حلا عادلا على يد أوباما (أبو حسين)، بينما كان أوباما يستعد اشر الفوضى الخلاقة وإثارة الفتنة في المنطقة واهي الفو1ى لتي أطلق عليها أوباما نفسه مسمى (الربيع العربي) وكانت سنوات حكم أوباما من أسوء السنوات التي مرت على القضية الفلسطينية قبل أن يأتي ترامب ليزيد الطين بلة.

كان الرئيس أبو مازن صريحا وواضحا في التعبير عن جوهر القضية ومفهوم الشعب الفلسطيني لحل الدولتين، فالدولة الفلسطينية ستكون على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية مع حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، وكرر قوله وتحذيره بأن حل الدولتين إن لم يطبق الآن فلا إمكانية لتطبيقه مستقبلا : (فرصة حل الدولتين قد تكون متاحة اليوم فقط ولا ندري ما قد يحصل في المستقبل) والفلسطينيون يرجعون سبب عدم قيام دولتهم  إلى الاحتلال والاستيطان وتهرب إسرائيل من تنفيذ الاتفاقات الموقعة مع الفلسطينيين وقرارات الشرعية الدولية بل وإعلانها رسميا على لسان كل قياداتها بعدم السماح بقيام دولة فلسطينية .

إلا أنه يبدو أن للأمريكيين رؤية مغايرة لحل الدولتين الأمر الذي يتطلب من الفلسطينيين الحذر الشديد من ترديد رؤساء أمريكيين لهذا المصطلح، فالحديث عن حل الدولتين دون آليات تنفيذ أهمها إدانة الاستيطان ومطالبة إسرائيل بوقفه والالتزام بقرارات الشرعية الدولية ذات الشأن قد يخفي أهدافا ومخططات بعيدة المدى حول الدولة الفلسطينية المشمولة بحل الدولتين من حيث جغرافيتها وحدود سيادتها وحتى مكان قيامها، أيضا إبقاء الفلسطينيين في مراهنة على سراب حل الدولتين حتى لا يفكروا في البحث عن حلول أخرى، كما يخفي حديث بايدن عن حل الدولتين الأهداف الحقيقية لزيارته للمنطقة وهي أهداف في حالة تنفيذها ستؤدي لتصفية القضية الفلسطينية.

عندما يقول بايدن بأن هدف حل الدولتين بعيد المنال ويرجع السبب (لأن هناك قيود على الحركة وقيود أخرى تفرض على الفلسطينيين) دون أن يتطرق للاحتلال والاستيطان بل ويعلن أنه صهيوني حتى وإن لم يكن يهوديا، كل ذلك يطرح تخوفات حول المفهوم الأمريكي لحل الدولتين وخصوصا أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة شجعت الاستيطان ورفضت إدانته وكانت سببا رئيسا في عدم إمكانية تطبيق حل الدولتين حيث لم تعد هناك أرض في الضفة لقيام هذه الدولة، كما أن حديث بايدن بأن حل الدولتين بعيد المنال فكأنه .يمنح إسرائيل مزيدا من الوقت لمواصلة سرقة واستيطان الأرض التي ستقام عليها الدولة الفلسطينية.

قول بايدن بأن حل الدولتين غير ممكن الآن إنما يخفي تصورات أمريكية لحل الدولتين مغايرة كليا للتصور الفلسطيني، تصورات مرتبطة بما يتم التخطيط له في المنطقة من تغيرات جيوسياسية كبيرة، وفي هذا السياق قد تتصور الإدارة الأمريكية دولة فلسطينية في الأردن أو أجزاء من الضفة مرتبطة بالأردن، أو دولة على أجزاء من الضفة مع تبادل أراضي داخل الخط الأخضر وخصوصا مناطق الشمال ذات الكثافة العربية وخصوصا أن بايدن تحدث عن تبادلية الأراضي، وقد تكون الدولة الفلسطينية في قطاع غزة أو قطاع غزة موسعا باتجاه سيناء.

توجه التفكير الأمريكي والإسرائيلي بهذا الاتجاه ليس مستبعدا أو مستغربا حيث المنطقة شهدت خلال العقد الماضي متغيرات جيواستراتيجية خطيرة، فهناك خمسة دول عربية مقسمة فعليا وفي طريقها للتقسيم الرسمي: سوريا والعراق وليبيا واليمن ومناطق السلطة الفلسطينية، كما أن هناك دولتان انقسمتا قبل ذلك وهما الصومال والسودان.

ومع ذلك يجب التأكيد بأن الدولة الفلسطينية ليست منحة أو منة من واشنطن أو تل أبيب أو من الأنظمة العربية، هذه الأخيرة التي تتحمل مسؤولية ضياع فلسطين في الحروب التي خاضتها مع إسرائيل. الدولة الفلسطينية حق تاريخي تقر به الشرعية الدولية وتعترف به غالبية دول العالم والشعب الفلسطيني حقيقة قائمة يتواصل وجوده على أرضه منذ أكثر من خمسة آلاف سنة، كما أن كل الترتيبات التي تجري في المنطقة بتخطيط أمريكي وإسرائيلي لا تعني أن الأمور استقرت لصالحهم، فهناك تحولات ومتغيرات عميقة في العالم كله ليست لصالح واشنطن وتل أبيب فمكانة واشنطن تتراجع دوليا واقتصادها الداخلي يتضعضع، ولم يعد العالم ينظر لإسرائيل باعتبارها دولة ديمقراطية مسالمة يريد جيرانها القضاء عليها بل كدولة احتلال عنصري وهي محل إدانات عالمية تتزايد كل يوم، كما أن كل ما يجري ترتيبات وتفاهمات تتم مع أنظمة حكم عربية مأزومة وسيأتي يوم تقول الشعوب العربية كلمتها.