تطور لتحالف إقليمي يقوده بوتين بدعم من الصين في اجواء المعادلات الاقليمية والدولية الناشئة قد يكون ناجحا في خدمة الامن والسلم بالمنطقة أمام فشل بايدن في محصلة زيارته التي لم تهدف لا للسلم ولا للامن الاقليمي . حيث لم تتمكن زيارة بايدن من ان تعطي أميركا حليفتها "إسرائيل" أي دفع جديد في المنطقة ، فهي لم توقف مفاوضاتها مع إيران حول الملف النووي ولم تعلن الحرب عليها لا سياسياً ولا بالمناورة العسكرية ، ولم تنجح في إهداء إسرائيل حلف "ناتو عربي" في وجه طهران ولخدمة هدف التفوق الاسرائيلي على حساب تصفية قضية شعبنا الوطنية السياسية ، وفشلت في محاولة بيعنا السراب والوهم المسموم النابع من سياسات تاريخية عدائية لحريات وكرامة الشعوب المضطهدة أمام ثبات مواقفنا الوطنية وتمسكنا بحقوق شعبنا التاريخية ومحاولات بايدن استبدالها بفتات خبز بايت لا يحقق التخلص من الجوع حتى .
لقد عاد بايدن بفشل سياسي واحباط معنوي حيث لم يحقق سوى فشلا اضافيا ، قد تُسرع انكساره بالداخل الأمريكي .
رغم ان قمة طهران سادها نوع من التناقضات والمساومات ، لكن روسيا نجحت في حماية مصالحها بما يتعلق بعمق امنها القومي بمنطقتنا وخاصة بما يتعلق بحماية سوريا في وجه اي تهديد تركي لحدودها الشمالية ، كما حققت الدفع مع ايران بفتح افتق علاقة افضل بين الجانبين التركي والسوري.
ان المنطقة حبلى بالمتغيرات ، وانعكاس بدايات نهاية القطبية الاحادية والهيمنة الأمريكية أصبح واضحا في مواقف دول المنطقة بعد الحرب التي افتعلها الغرب في أوكرانيا لمواجهة التقدم الروسي ومحاولة حصاره وتهديد امنها القومي الاستراتيجي في مواجهة اطماع الناتو وانتهاك الاتفاقيات السابقة التي تهدد الأمن والسلم الدولي .
فالدول العربية لا ترغب في أن تحسم نفسها في سلة القطبية الاحادية المتهاوية الآن ، وهي تتطلع للعلاقات الوطيدة مع الصين وروسيا وتطويرها من جهة ومع ايران من جهة أخرى كدولة جارة لها وفق ما جاء في بيان لقاء جدة ، مع رفضها كذلك إحلال اي مشروع في بديل عن الحرية والاستقلال لشعبنا الفلسطيني وإنهاء الاحتلال .
في أوروبا ستكون أجواء الشتاء القادمة عاصفة على حكومات الاتحاد الأوروبي التي تدفع ثمن انجرارها وتبعيتها للسياسات الأمريكية ، قالشعوب الأوروبية لن تحتمل الارتدادات العكسية للعقوبات وستخرج إلى شوارع عواصمها ، أن لم يكن ذلك قبل الشتاء القادم ، ما سيؤثر على أنظمة الحكم فيها التي باتت الآن متفاوتة بالموقف من الشرق ، وتمدد لقوى اليسار فيها كما حدث في فرنسا وكما سقط جونسون في بريطانيا وكما خرجت المظاهرات في مدريد ضد الناتو .
هذا بالإضافة إلى انتصار قوى الشعوب بامريكيا اللاتينية والمتمثل في ثبات مواقف دولها تجاه مواجهتها مع الولايات المتحدة وتدخلاتها السافرة في شوؤنها ، إلى جانب تصاعد خسارة أذناب أمريكيا واليمين في عدد من دولها حديثا .
وفي الولايات المتحدة ، ان بقيت متحدة امام دعوات بعض الولايات للانفصال او الاستقلال ، ستتفاقم أزمة النظام الاقتصادي والمالي والاجتماعي الذي بات الاجرام اليومي بالقتل يحيط به والتي باتت ازماته تهدد استقرار النظام السياسي نفسه هنالك ، خاصة مع ما ستخلص له نتائج انتخابات الكونغرس الأمريكي بعد أشهر وتراجع شعبية بايدن وحزبه وفق استطلاعات الرأي وما سيتمخض عن ذلك من تطورات قد تعيد للذاكرة الفوضى التي حلت سابقا هنالك .
اما الأزمة القائمة منذ ٤ سنوات بشأن التشكيل الحكومي في دولة الاحتلال لن يكون حلها سهلاً ، بل وستتعمق لتنعكس على الاستقرار الاجتماعي بتعدد الأجناس فيها ، كما ونظامها الاقتصادي المرتبط بالمساعدة الأمريكية ، وستزداد الانتقادات الدولية بشأن سياسات الابرتهايد فيها حتى من منظمات يهودية غير صهيونية حول العالم ، مما سيُدخل الحركة الصهيونية في أزمة متغيرات تتعلق بالوجه "الأخلاقي الحضاري " لإسرائيل وما له علاقة بتراجع الهيمنة الأمريكية وقطبية الغرب الاحادية المساند الرئيسي لها منذ نشأتها كمشروع تابع ، تلك السياسات التي ما زالت تدور في فلك دعم التعاون المشترك مع اسرائيل وفق ما أكده امس كافة وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي ال ٢٧ بأحياء مجلس التعاون المشترك مع اسرائيل بعد عقد من الزمن ، رغم مواقفهم اللفظية من معاداة الاستيطان والتي لن ترتقي إلى مستوى المحاسبة والعقوبات بهدف إنهاء الاحتلال كمسوؤلية أخلاقية وسياسية للأوروبين التي يجب أن يتحملوها .
دولة الاحتلال ستحاول بالتالي تصدير ازماتها الداخلية باتجاه مزيدا من القمع بحق شعبنا وتوسيع مشاريع الاستيطان والتهويد لخلق حالة من الإجماع القومي الصهيوني الديني في محاولة لاستكمال تنفيذ مشروعهم ، الأمر الذي يجب ان يدفعنا بالتفكير بكافة البدائل لحماية وجودنا ورؤيتنا بسياسات مبادِرة لا تقتصرُ فقط على ردود الأفعال .
أمام هذه الوقائع فانني" متشائل" ما بين التفاؤل والتشاؤم على حد وصف الكاتب والمناضل الوطني اميل حبيبي لهذه الحالة من تناقض الاضداد ، حيث الأيام القادمة ستاتي بايضاحات اكثر حول انعكاسات هذه التحولات الجارية والمتغيرات المتسارعة ، هذا أن لم تأتي بحروب جديدة سيحاول الغرب وإسرائيل إدارتها تنفيذا لسياساتهم القبيحة ورؤية الليبرالية المتوحشة ومصالح راسمال الصناعات العسكرية والمالية لمنع الانهيار السريع للقطبية الاحادية ، وهذا مصدر التشاؤم لدي ، اما مصدر التفاؤل لدي كمكون اخر من مفهوم التشاؤل ، فهو قائم على الايمان بالمتغيرات الجارية التي تحقق التغيير كثابت وحيد في العلوم والتاريخ السياسي والاقتصادي وإمكان الاستفادة منها والبناء عليها بحُسن إدارة سياساتنا الوطنية وتحالفاتنا الدولية مع الدول خاصة الصاعدة منها كالصين وروسيا وغيرها بالنظام الدولي الذي بات يتشكل حديثا باتجاه التعددية القطبية ، ومع القوى التقدمية والشعوب بكل الاتجاهات والمفاصل مع الجانب المحق بالتاريخ ، ونحو الوصول في كفاح حركتنا الوطنية سندا لارثها لحقنا في تقرير المصير وانهاء الأحتلال وتحقيق الامن والسلام بمنطقتنا ، فان أجمل الأيام هي التي لم تأتي بعد ، كما قال الشاعر اليساري التركي ناظم حكمت .