اختتم الكاتب سايمون تيسدال، مقالا له في صحيفة الغارديان بعنوان "سراب السلام.. الرئيس الأمريكي يغامر بالعودة إلى رمال الشرق الأوسط المتحركة"، بصراحة أوجزت هذه العبارة كل التوقعات والتحليلات التي أطلقت قبل الزيارة من كل صوب وحدب، حول ما سيتمخض عن هذه الزيارة، وما يمكن ان تحمله إلى الشرق الأوسط من خيبات، ولخص الكاتب النتيجة النهائية لزيارة الرئيس بايدن الى الشرق الأوسط، وكل الرؤساء الامريكيين الذين سبقوه، وهي أن "الزمن يتغير، لكن خيانة فلسطين ستبقى خالدة".
من المؤكد أن النتيجة واحدة على الرغم من اختلاف الزمان: مكاسب للولايات المتحدة الامركية واسرائيل، و دعم واضح للاحتلال، وطعنات في خاصرة القضية الفلسطينية، من قبل الولايات المتحدة الامريكية ، وهذا يمثل نفس النهج الذي سار عليه الرؤساء الاميريكيون الثمانية، الذين سبقوا بايدن إلى المنطقة منذ بداية القرن العشرين حتى الآن، وهي الحفاظ على النفوذ الأمريكي، والحفاظ على أمن اسرائيل، واستغلال الثروات الطبيعية والحصول على النفظ، ومواجهة خصوم الولايات المتحدة وأعدائها وهو ما يتمثل الآن في الحد من النفوذ الروسي الصيني، وكبح جماح الخطر الإيراني.
أكد بايدن ذلك من خلال ما جاء في مقاله الذي نشره قبل أيام من زيارته الى الشرق الأوسط في صحيفة واشنطن بوست، تحت عنوان " لماذا سأذهب إلى السعودية"، بعد موجة عارمة من الانتقادات له على هذه الزيارة، عندما قال " بصفتي رئيسًا، من واجبي الحفاظ على بلدنا قويًا وآمنًا". وبالتالي هذا يؤكد أن الزياره ما هي الا لترجمة النظرية الواقعية في العلاقات الدولية، القائمة على أن الغاية تبرر الوسيلة، وأن مبادئ الليبرالية والتعاون الدولي ما هي إلا أدوات لتمرير لعبة الهمينة وفرض القوة، والحفاظ على مصالح الدولة العظمى، على حساب العدالة الدولية والديمقراطية وحقوق الانسان، وهي القيم التي تتغنى فيها الولايات المتحدة الأمريكية على الورق. وتنكرها على الشعوب المظلومة، وهنا تبرز ازدواجية المعايير الدولية لدى الولايات المتحدة الأمريكية.
فالسعودية التي وصفها بايدن بالدولة المنبوذة، أصبحت الشريك الإستراتيجي في المقال الذي نشره. عندما قال "منذ البداية، كان هدفي هو إعادة توجيه العلاقات ولكن ليس قطعها مع دولة كانت شريكًا استراتيجيًا لمدة 80 عامًا". أليست ازدواجية معايير وتناقض كبير، من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، أن تأخذ موقف من الممكلة العربية السعودية، وتصفها بالمنبوذة أثر مقتل الصحفي جمال خاشقجي، في المقابل سمحت الولايات المتحدة الأمريكية لنفسها، بارتكاب جرائم فظيعة بالعراق، كان أبرزها الإنتهاكات السافره لحقوق الإنسان في سجن أبو غريب، وفي أفغانستان، وأيضا صمتها على ما يقوم به الإحتلال الإسرائيلي من انتهاكات سافرة لحقوق الإنسان منذ أربعة وسبعين عاما في فلسطين. لم تنبذ الولايات المتحدة الأمريكية حليفتها اسرائيل، حتى بعد ثبوت اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة بدم بارد وعن سابق تصميم وتعمد، بل راحت تشكك بصحة الرواية وحقيقة اغتيالها من قبل الاحتلال الاسرائيلي، وحاولت التعمية على الجريمة وتبرئة الاحتلال على الرغم من صدور أصوات كثيرة ومهمة من داخل الولايات المتحدة وحتى من داخل الكونغرس لإجراء تحقيق نزيه وشفاف في جريمة اغتيال الشهيدة شيرين لكونها تحمل الجنسية الأميركية.
لقد بارك بايدن هذه الانتهاكات بمواصلة تقديمه الدعم وزيادة المساعدات الى اسرائيل. وذلك ما ينسف كل الادعاءات حول الديمقراطية والحريات وحقوق الانسان التي يدعي بايدن وسائر المسؤولين الأميركيين أنههم حريصون عليها عليها.
من الواضح أن الفصل الجديد الواعد للدور الأمريكي في المنطقةـ يتجلى في أن الإدارة الأمريكية الحالية، ماضية في تنفيذ ما بدأه ترامب من تطبيع العلاقات، بين اسرائيل والدول العربية وتوسيعها. وأنها ستبذل مجهودا كبيرا في سيبيل انضمام السعودية لاتفاقايات ابراهام، وكان بايدن قد أكد أنه يهدف إلى التقريب بين السعودية وإسرائيل، وقال: "سأكون أول رئيس يطير من إسرائيل إلى جدة بالسعودية.. سيكون هذا السفر أيضا رمزا صغيرا للعلاقات الناشئة والخطوات نحو التطبيع بين إسرائيل والعالم العربي، والتي تعمل إدارتي على تعميقها وتوسيعها". وان ادارته ستواصل الضغط من أجل الضغط الدوبلوماسي والإقتصادي حتى تمتثل إيران والعودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015.
وهكذا كشف بايدن حقيقة الزيارة دون مراوغة، وأن زيارته ليست لسواد عيون والعرب، ولكن من أجل ضمان أمن اسرائيل والتصدي للنفوذ الصيني الروسي، وزيادة إنتاج النفط. وهو وبالتالي يريد أن يتجنب خسارة حزبه لانتخابات التجديد النصفي للكونغرس، خصوصا بعد أزمة الطاقة وارتفاع نسبة التضخم بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا. كما يحرص على ضمان الحصول على الموارد الطبيعية الغنية الموجودة في منظقة الشرق الاوسط، وضرب المصالح الروسية في المنطقة أيضا.
من العجيب والمحزن أن يتدافع العرب لإرضاء الولايات المتحدة الامريكية، بدلا من أن يستغلوا الأزمة، ويقلبوا السحر على الساحر، ويستثمروا لصالحهم أهمية الشرق الأوسط الجيوسياستيه، وثرائه بالمصادر الطبيعية والنفط، وموقعه الذي يجعله يتحكم بخطوط الملاحة الدولية. والإمساك بخيوط اللعبة لإنجاز مكاسب وتحقيق انتصارات لصالح القضية الفلسطينية والضغط لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي. محزن أن يطير كل رئيس أمريكي يزور المنطقة إلى بلاده محملا بالوعود، والورود، والمكاسب، وتبقى القضية الفلسطينية من دون حل، والشعب الفلسطيني يلملم جراحه وحده، والعرب يغرقون أكثر بمزيد من الخيبات والهزائم.
.